الألباب المغربية/ محمد خلاف
نظر الإسلام الى الصداقة نظرة رضا وتشجيع على الحفاظ عليها؛ والالتزام بالأخلاقيات المرتبطة بها كالوفاء والإخلاص وستر المؤمن لأخيه؛ استلهاما لهذا المبدأ؛ وايمانا بالحديث النبوي؛ تهادوا تحابوا؛ حملت معي
هدية متواضعة وغير منتظرة لعلال جاري وزميلي بالعمل؛ طبعا بعد عودتي من صرف الرابيل، بها أكون قد أعلنت عن فتح باب صداقة قوية وجميلة لازالت قائمة مع أشهر المعلمين على الإطلاق بالمنطقة بحكم عدد السنوات التي قضاها وبحكم زواجه من منطقة التعيين؛ فالفراق لم يخدش قط نقاء ذكرياتنا لأن وجوده مرحلة مهمة في حياتي وأكون قد جعلته يفتح باب قلبه لي؛ فالصداقة لم تفقر يوما أحدا كما يقول موليار؛ فبدأنا نجلس وندردش وقت الفراغ لمدة طويلة فوق المطفية أو بباب أحد الأقسام الموصدة بحضور محماد حارس المركزية صديقه القديم والأبدي؛ أو بحضور أحد المعلمين؛ وفي الغالب الأعم أكون وحيدا رفقته نتبادل أطراف حديث طويل وتعارف أعمق. كان علال بحضوره القوي والوازن يرسل مع الخطاف بعض المال مقابل جلب بعض من حاجياته وإحدى جرائد الكلمات المتقاطعة (الخل أو الشبكة)؛ كنا نقضي وقتا طويلا في تعبئتها؛ بل وأصبحت مدمنا ومتخصصا في اعدادها ونشرها في غالبية الجرائد الوطنية؛ تلك الأيام الجميلة؛ حيث جاءت سكرة الفراغ بالحق هنا بادموسى؛ كما علمت من تقربي لعلال؛ أنه دوما هناك العديد من الخناجر خلف كل الابتسامات؛ عرفت أن علال يتيم الأم وأن والده لازال على قيد الحياة وله رغبة في الزواج؛ كان حديثه عبارة عن شكوى رغم أني كنت أذكره أن الشكوى لغير الله مذلة؛ عرفت جغرافية وتاريخ ومميزات منطقته أحد كورت نواحي سيدي قاسم؛ عرفت أنه ترشح سابقا لانتخابات جماعية لم يفلح فيها بفعل تداخل عناصر شتى كقوة المنافس؛ وسيادة نوع من النزاعات القبلية عند الكثير من بعض الأهالي رغم زواجه من المنطقة؛ بدأت ارتاح لصداقته؛ أصبحنا نفكر سويا وكما قال منسيوس (الصداقة عقل واحد في جسدين). ذات مساء زرت بمعيته أصهاره بتغيرت مشيا على الأقدام لم نشعر بمسافة الطريق الطويلة؛ صراحة من أطيب الناس وأغناهم بالمنطقة؛ تعرفت عليهم جميعهم؛ صالح ولحسن والٱخرون، فتحوا لي مجالات أرحب لأمور أخرى؛ ولشعور علال بالفراغ والوحدة في الفرعية؛ لأنه لازال بدون خلف؛ رغم أنه متزوج مدة لابأس بها من سيدة سوسية لم أشاهد ملامحها قط مدة سنتين قضيناها بالفرعية؛ فقط تلذذت بطبخها مرات ومرات؛ جلب فيصل ومحمد وهما أبناء أحد أصهاره المقيم بفرنسا؛ للدراسة والسكن عنده؛ وكنت أنا مدرسهم رفقته؛ وهذه حكاية أخرى؛ إذ كان يقسو عليهما رغبة في التعلم؛ رغم أن مستواهما كان جيدا؛ وكنت أتدخل مرارا لرأب الصدع، كان فيصل أذكى؛ وكان محمد أرق وأخدم.
علال من منظره وقوة صوته يبدو عنيفا؛ فظا؛ لكني لم أستعجل في الحكم عليه دون معرفته التامة التي بدأت تظهر لي فأعطيته أذناي قبل قلبي؛ وكانت سعادته أني أصغي إليه؛ لأني تعلمت أن الفراشة رغم نعومتها فهي حشرة وأن الصبار رغم قساوته فهو زهرة؛ فعرفت أن قلب الرجل صافي ناعم؛ أسر لي أسرارا كثيرة احتفظت بها الى اليوم؛ وعلمت أنه اتخذني صديقا لأنه ائتمنني على جزء من كرامته. كان علال مقبلا على بناء بقعة أرضية بمسقط رأسه؛ وكانت تشغله في الحديث أحيانا؛ وكانت له علاقات متعددة ووازنة بالمنطقة قاطبة؛ كان بمثابة مصعد إما أن يأخذك الى الأعلى أو يسحبك الى الأسفل؛ كان لوحده أحسن من عشرة أصدقاء عديمي الجدوى؛ موضوع زواجه وقناعته لم تناقش قط؛ وللأمانة لم يفاتحني في موضوع زواجي يوما؛ وتوطت علاقاتنا لأنها بنيت متجدرة واكتساها بعض الحب والاهتمام ومساحة من الثقة من جعلها تستمر لأنها لم تبن بسرعة كالأزهار ما أن تتورد حتى تموت كما قال واسيني الأعرج.
ومرت سنتين انتقل المدير سي لحسين الى اكادير؛ وانتقل علال الى بلدته؛ تزوج ثانية وأنجب؛ تألمت وأحسست أن الاشتياق لصديق هو نوع من الادمان لا يعاقب عليه القانون لكن تعاقبنا عليه الظروف بالحرمان وترك منزله الجميل بالفرعية فلكل حي أجل؛ ليعاد التقسيم من جديد عبر القرعة بداية موسم دراسي بدون علال؛ بعد أن تسابق الكل على منزله، بصدق تألمت لانتقاله لكنه ترك لي معارف وعلاقات طيبة مع الأهالي وانسجام لا نظير له وعرفني بعادات أهل سوس سأتحدث عنها في اليومية القادمة…