الألباب المغربية/ محمد خلاف
تباعا تناسل توالي وتشابه الأيام والليالي بالفرعية بين قضاء وقت متخثر في الحصص المخصصة للتدريس داخل الحجرات؛ وبين وقت فارغ صعب جدا قتله؛ حيث يفيض الزمن؛ ويصبح علينا لزاما ابتكار ما نملأ به فم الساعات المفتوح؛ في غياب تام لأي وسيلة ترفيه أو تسلية؛ ماعدا التلفزة الخاصة بالطاقة الشمسية وصحنها المقعر كذلك ؛ وتتوفر فقط على تقنية الأبيض والأسود في تجاهل تام لاختراع السوفيتي هوفانس ادميان وتلفزته الملونة؛ عاد بنا الزمن الى وقت غابر فعلا وعدنا قسرا الى جوهر الحياة وبساطتها؛ حياة لا سعار ولا جري ولا ازدحام فيها ولا يكسرها موعد ولا ضيف ولا متطفل ولا رغبة في شيء بعيد؛ وأصبح حلمنا أن يصبح الجو مشمسا حتى تعبأ البطارية المهترئة أصلا في انتظار التسوية المالية وشراء أخرى جيدة وجديدة؛ وبالتالي يمكننا مشاهدة أتفه البرامج والمسلسلات؛ فراغ قاتل اشتقت معه لقراءة أبخس الجرائد الحزبية المبتذلة؛ وأرخص المجلات؛ أوراق جرائد قديمة جدا ممزقة تقرأ بنهم لا يهم تاريخ الاصدار؛ كنا نتحمل مشاق الإنارة بالشمع دون لعن للظلام؛ أو باستعمال قنينة الغاز الصغيرة وتقنيات الإضاءة بواسطتها؛ تعلمت تركيب الفتيلة وأنواعها وأجودها؛ تعلمت وضع قطعة من صنف 10 سنتيمات على مخرج الغاز والإضاءة بها؛ كل هذا مقابل مشاهدة التلفزة؛ أما المذياع فدخل في ضروريات الحياة واستمرارها بفراغ ادموسى؛ كم تألمت جدا عند نفاذ مخزون البطاريات ليلا؛ كم طريقة اخترعنا لزيادة حياتها
من صلقها بالماء الى عضها بالنواجد؛ أصبحت صديق كل البرامج الإذاعية؛ راسلت معظمها؛ ساهمت في إغناء بعضها وتأكدت أن الوقت هو عدو مجتهد لا يقتله إلا كل مجتهد؛ تلك أيام جميلة كشفت لنا الكم الهائل للرغبات الكاذبة في حياتنا والرهانات الخاطئة بها، أحن إليها دوما لبساطتها ولمساهمتها في تكوين بعض أمور شخصيتي؛ بعدما كنا أيام التكوين بالمدينة لا نجد وقتا للأكل؛ والاستحمام والنوم؛ ومجالسة الأصدقاء؛ دوما مشارعنا مؤجلة حقيقة اعطينا للوقت الكثير من الوقت.
بعد عودتنا من عطلة مارس 2000 بدأت التباشير الأولى للتسوية المادية تلوح في الأفق؛ اذ ونحن بالاستراحة الصباحية ذات اثنين بائد حضر المدير سي الحسين على سيارة البيجو حاملا محفظته السمينة؛ وأغصان نعناع تيزنيت المتميز كعادته؛ لكنه كان فرحا جدا هذه المرة حيث كان يحمل ورقة برتقالية هي رابيل صديقي منحه إياه بعد توقيعه لمذكراتنا اليومية.
فرحنا جميعا بقرب الفرج المادي؛ ومعه بداية الانخراط الفعلي في مسار الحياة؛ ولأن عادة حميدة كانت مسنونة ذاك الإبان هي أن الحاصل الأول على الرابيل يقدم سلفا لأصدقائه دون قيد أو شرط لتتوالى التسويات عبر دفعات متتالية؛ كان دوري شهر ماي؛ اذ سلمني المدير اياه ومنحني أسبوعا بمثابة ترخيص استثنائي لصرفه؛ وفتح حساب بنكي؛ جميع أصدقائي صرفوه بقباضة تيزنيت؛شخصيا شكلت النشاز، اذ أخذت الحافلة الى الفقيه بن صالح لأصرفه بحضور الوالد والوالدة لغاية في نفسي؛وكانت فرحتي مزدوجة لحضورهماأاثناء صرفه وفتح الحساب البنكي بمدينتي؛ وقضيت بينهم أياما مرت سريعة حاولت إرضاء الكل بمنزلي وحققت لهم مطالب ورغبات كانت معلقة، لأشد الرحال من جديد الى الفرعية حاملا معي بعضا من أموال من اقرضوني ولسان حالي يقول أن أجمل لحظة في الدين هي عندما نعيده الى صاحبه؛ وأن رد الدين فضيلة كبرى؛ وطبعا هدية بسيطة للسيد المدير كانت عرفا وسنة نظير أعماله وتطوعه؛ وتضحياته المتعددة؛ وزدت هدية أخرى بسيطة لعلال مستلهما الحديث النبوي.. تهادوا تحابوا… ولأفتح معه باب صداقة وتقدير ومغامرات سأتحدث عنها في اليومية المقبلة….