الألباب المغربية / محمد المتوكل
تستعد مدينة مراكش مدين العلم والعلماء والأولياء والفقهاء والسبعة رجال والمدينة الحمراء ومدينة المرابطين والدولة القوية والتي انتجت العباقرة والجهابدة والفطاحلة والأسود الأشاوس والمجاهدين والأبطال والمناضلين والمثقفين والفنانين والرياضيين والسياسيين والمجتمعيين والاقتصاديين والجمعويين والقضاة والمحامين ووكلاء الملك ورجال الشرطة والدرك الملكي والقوات المساعدة والعمال والولاة والوزراء… هذه المدينة التاريخية والتي يشهد لها القاصي والداني بشهرتها وتاريخيتها والعلوم التي كانت تدرس فيها وبمعاهدها وبمدارسها وبكلياتها وجامعاتها ومدارسها القرٱنية التي كان يصدح فيها رجال اللله تعالى بأصواتهم الندية وحناجرهم الطرية مرتلين كتاب الله تعالى الذي يعلم السر والخفى، لكن للأسف الشديد يوجد من لا يريد الخير لهذه القلعة التي كانت محجا للمرابطين، وقلعة للمناضلين والانتفاضيين الذين قاتلوا بالروح والدم من أجل إعلاء كلمة الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعطاء النموذج في التضحيات الجسام حتى يعود للمواطن المغربي عزه ويقوى برابطة الأخوة والتلاحم والتعاضد والتٱزر والتٱخي والتواصل، خدمة للدين والدنيا في جميع المجالات والميادين التي يجد فيها المواطن المغربي على أنه هو مربط الفرس في كل مناحي الحياة.
مراكش التي كانت ولا زالت وستبقى محجا لكل الزوار الذين يجدو ن فيها ذاك الطابع الاشهاري والاستثماري والترويح والترويج والبحث عن المصالح، لكن فيما يخدم الساكنة ومحاولة اخراجها من الحرج والضيق والتأخر وغير ذلك مما من شأنه أن يكون سببا في بقاء مدينة المرابطين خارج التغطية وخارج التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية.
اسباب نزول هذه الفقرات تعود الى الاستعدادات الجارية التي تقام بمدينة مراكش الان من اجل تنظيم المهرجان الدولي للفيلم قريبا رغم الٱلام التي لازالت تخيم على المدينة الحمراء نتيجة تداعيات زلزال الحوز، والذي ضرب المغرب عامة ومنطقة الحوز خاصة، وخلف عددا من الضحايا والمفقودين والمعطوبين والجرحى، وتطلبت من المغرب تعبئة شاملة ملكا وحكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا أبانوا جميعا عن عميق الشعور والإحساس بما أصاب إخواننا في المنطقة من جرح لم يندمل بعد، وذلك بتقدير العزيز العليم الذي ابتلانا به لينظر سبحانه وتعالى انصبر ام نكفر لا قدر الله، ولقد أبان الشعب المغربي عن كريم تعاطفه وجميل إحساسه، وأعطى للعالم بأسره نموذجا حيا في الرأفة والرحمة والعطف والشفقة والحب والتعاون وقدم صورا رائعة من التلاحم والتعاضد وذلك برئاسة ملك البلاد الذي حضر الى عين المكان، واعطى من دمه نصره الله حتى يعطي للشعب المغربي القدوة في العطاء والنوال.
وبعد فاجعة الزلزال الذي أتى على الأخضر واليابس في مملكة محمد السادس، جاءت القضية الفلسطينية، تلك القضية التي لم تحلحل الى يوم الناس هذا، وبقيت منذ 1948 عصية على الحل وبقي الشعب الفلسطيني وكل مدنه المجاهدة والمناضلة تحت رحمة القصف الصهيوني الشارد، والعدوان اليهودي الغاشم، ولازال بنو صهيون يقتلون ويأسرون ويشردون في كل أفراد الشعب الفلسطيني نساء ورجالا واطفالا وعزلا بدون أي تدخل من أي جهة عربية أو إسلامية، واكتفى العرب والمسلمون بالشجب والتنديد وتنظيم المسيرات والوقفات والاحتجاجات، بينما تجند بلد العم سام، وغيره من قوى من أجل دك الشعب الفلسطيني وتقويض بنيته وتجويع أفراده وتقزيم دوره، لكن هيهات هيهات فلا زال الشعب الفلسطيني يقاوم ويستبسل ويستأسد ويناضل ويجاهد بالغالي والنفيس ويعطي صورا حضارية ناصعة على أشكال المقاومة وردع العدو ودحره رغم قلة الزاد والعتاد والسلاح، لكن اعتقادهم برب العالمين، وايمانهم الراسخ في رب البرية واستشعارهم بأن القضية الفلسطينية هي قضية ايمانية ربانية إلهية جعلها الله تعالى للاختبار والامتحان والابتلاء وأن الله تعالى قادر على أن يمسح اليهود والصهاينة والاسرائيليين في أقل من لمح البصر، لكنه سبحانه وتالى جعل من القضية الفلسطينية قضية كل مسلم كما هو الشأن بالنسبة لنا نحن كمغاربة بحيث نعتبر القضية الفلسطينة قضية مركزية وجوهرية أساسا أصالة وتبعا.
تستعد مدينة مراكش الى احتضان المهرجان الدولي للفيلم في تقليد سنوي، لكنه قد يكون سابقة في عهد هذه الحكومة المشؤومة والشعب المغربي (الدرويش) خاصة وأن الحكومة والشعب خرجوا للتو من كارثة الزلزال الأليم، ولا زال الشعب المغربي كذلك لم يستوعب بعد الأزمة التي تمرها القضية الفلسطينية والدك اليهودي اليومي للأراضي الفلسطينية، فضلا عن الاغتصاب الجماعي والطرد التعسفي والتهجير والترهيب والترويع والتخويف والتجويع وغير ذلك من الأساليب الصهيونية الماكرة والغادرة والخائنة والتي لا تقوم على أساس إنساني للأسف الشديد، لكن ما علاقة مراكش بزلزال الحوز والقضية الفلسطينية والمهرجان الدولي للفيلم؟؟؟
هنا مربط الفرس ومضرب القوس وعين الحكمة ولب الألباب، وهنا لا يتناطح عنزان وهنا لا يختلف اثنان وهنا لا يتضاد لونان، وهنا نتساءل في ظل هذه الأوضاع وفي غمرة هذه الأوجاع وفي سياق هذه الفواجع، وفي إطار هذه الكوارث التي ألمت بأمتنا من زلازل مبكية، وإخوة لنا في فلسطين يعانون الأمرين مع المحتل الصهيوني، بينما المسؤولون عندنا يجتهدون ويسابقون الزمن ويواصلون الليل بالنهار من أجل تنظيم المهرجان الدولي للفيلم وذلك بعد تنظيم المؤتمر الدولي الخاص بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إضافة الى مهرجان الفلكلور والفنون الشعبية، وما زالت القضية في البداية، ويعلم الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، الى أين ستستمر هذه العبثية وهذه النكوصات الفكرية واللهث وراء تلميع الصورة وتجويد الواقع ووضع “العكر على الخنونة” للأسف الشديد، واستغباء الشعب واستبلاد الأمة والاستقواء بجهة ما على حساب جهة أخرى، ومحاولة تكليخ المغرب والمغاربة وإرجاعهم الى سنوات التخلف والجهل، بل ربما العمل على تجهيلهم تجهيلا لم يسبقهم اليه أحد لا إنسا ولا جنا.
فما الذي يدعونا وخاصة بعض المغاربة والمسؤولين والذين ولدوا وفي أفواههم معالق من ذهب ليحاولوا الاستقواء على المغاربة والانتقال بهم من فقه الأولويات الى فقه (النشاط والشطيح والرديح وثقافة هز يا وز)، وهز البطون والارداف و(قولوا العام زين)، وكأن المغاربة لا ينقصهم الا النظر في وجهكم القبيح عفوا النظر والسهر مع هذه المنكرات التي لو تم استغلالها في الخيرات والمبرات لكان تأثيرها على المغرب والمغاربة كبيرا وواضحا للعيان وبلا غبش في الرؤية، فهل تنقصنا المهرجانات والسهرات والمنكرات وتضييع أموال دافعي الضرائب في الأشياء التي لا تجدي نفعا ولا تقدم أمة ولا تطور شعبا ؟ وهل لم يبق لنا نحن كمغاربة نعاني الويلات في جميع الميادين والمجالات إلا المهرجانات والأفلام والمسابقات ونحن لو تم تشريح وضعيتنا كمغرب وكمغاربة لأصبحنا مادة دسمة وسيناريو محبوكا وبشخوص عديدة لفيلم (دايزو الكلام)، ولما احتجنا الى قنوات الصرف الصحي لعرضه أو الى سينما في (راس الدرب) لتقدمه الى المتفرج والمشاهد المغربي، بل لا نكاد نحتاج الى الى ساحة عمومية كساحة (يوم القيامة) رغم أني لا أعلم طولها ولا عرضها لتقديم بلد اسمه المغرب، وعرض شعب اسمه المغاربة أمام مشرحة الواقع ليبدو للبادي والعادي الندوب التي تعرينا والمشاكل التي نتخبط فيها، والعراقيل التي تحتوينا والصعوبات التي نلاقيها والمطبات التي تواجهنا والعدو الذي يلاحقنا في الواقع وليس في الخيال، ولما احتجنا اذن الى الممثلين والمخرجين و(ليسينارسيت) و(الاكليراج) والطواقم التقنية والكاميرات (هاش دي)، والنقاد من أجل إبراز وجه المغرب والمغاربة الذين يبدو أنهم لم يقطعوا بعد مع ثقافة (الزديح والرديح والزكا والغوات والسهرات والسكرات والبنااااان والشيخات والبونات)، التي تمر من تحتها، وغير ذلك من المنكرات التي لا زالت تقيد بلدا وكأنه لا ينقصه الا (الشطيح والرديح)، وهم خزعبلات.
إن المغرب يا سادة يا كرام في ظل هذه الأزمات والمدلهمات يحتاج الى تعبئة الفكر وشحذ الثقافة وصقل العلم وتشريح الأوضاع من قبل من لهم في العير ولهم في النفير، ومن قبل من غاصوا في بحور التربية والتعليم والتكوين المستمر والى القادة والسياسيين والمتتخبين ورجال السلطة والمجتمع المدني والفاعلين الجمعويين وغيرهم من مكونات المجتمع من أجل بناء أسس ديمقراطية متينة، وتشييد ركائز اسمنتية صلبة ترتكز عليها العملية التدبيرية والتسييرية بالمملكة الشريفة، إضافة الى الحاجة الى لغة سليمة ومعبرة تحاول أن ترجع المغرب والمغاربة الى سكة الأهداف الكبرى والغايات السامية من علم راق ومعرفة سامية وثقافة بانية، عوض الاستعانة بمعاول الهدم والردم لأنه (شحال قدك تبني) وعشرات من المطبعين والمهرولين والدوغمائيين والسفسطائيين والبيدونيين الذين يتماهون شكلا ومضمونا مع المهرجانت ويعتبرون مثل هذه المناسبات فرصة (للكاميلة) و(الكرمونة)، بل ويحاولون بالليل والنهار وصباحا ومساء من أجل الهدم والردم، اضافة الى إشاعة لغة التخوين والتعويم والتأسيس لنقاش ساذج ولا يسمن ولا يغني من جوع مع كامل الأسف.
اعتقد وأنا أضع نقطة النهاية لهذا المقال، وجب عل كل منا استشعار اللحظة التي يعيشها المغرب والغاربة، وعلى الجميع استحضار أننا في مفترق الطرق، في كل الميادين والمجالات، وأننا على أهبة الوقوف والتوقف في مختلف سياساتنا التي ننتهجها في حق هذا الشعب المقهور والمحكور، وأننا قد ندخل السكتة القلبية من أبوابها الواسعة، فيكفينا إذن مهرجانات وتظاهرات فنية وسهرات ماجنة يختلط فيها الحابل بالنابل والسكرات والبنات ومختلف الموبقات، خاصة وأن الزلزال الأليم لا زال يعمل فينا أعماله، والقضية الفلسطينية لا زالت حية ترزق، وأنه وجب على القائمين على شؤوننا وأمورنا التدبيرية والتسييرية الاستحياء من باب الاستحياء على الأقل، أما اذا لم يستحييوا فليصنعوا ما شاؤوا، وكل مهرجان وأنتم…
مهرجان الفيلم بمراكش وتداعيات زلزال الحوز والعدوان الاسرائيلي.. أية علاقة؟
اترك تعليقا