الألباب المغربية- محمد خلاف
قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ ٱلْبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (صدق الله العظيم) (البقرة – 70).
الصحافة منذ اختراعها من قبل الأمريكي وليم بولوك مهنة طاهرة كان هدفها الوحيد هو خدمة المواطن والوطن ،أو كما قال المهاتما غاندي، هي مهنة الأنفة والحياد ونقل الأخبار بكل تجرد…..
وكان الصحفي الحقيقي يملك قلبا باردا، وقلما ساخنا دوما،،،وهو محور التاريخ وأحد مسجليه، بل ويعتبر الصحافي مؤرخا يرجع الباحثون إلى مقالاته ومخطوطاته للتعرف على مميزات الحقب التاريخية وأبطالها وأحداثها……
ولأننا نعيش زمن الانحدار فقد ابتلينا بأشخاص لا يعرف لهم انتماء أو لون، يدعون انتمائهم للجسم الصحفي وهو براء مما يصنعون.
وتعتبر الصحافة ذات قيمة من قيم الحياة المثلى في العصر الراهن إذا كان القصد من ورائها البحث عن الحق و الحقيقة و ردع الباطل و كشف الأكاذيب ، بيد أن ثلة من الصحفيين و أشباه الصحفيين المتطفلين على مهنة تكبرهم سنا وقيمة ، يحاولون أن يضفوا على هذا العمل النبيل ما يسوءه و يدنسه ببث مغالطات أو تزييف حقائق لا لشيء إلا لأسباب شخصية ،أو ما شابه ذلك، ومن هذا المنطلق نطرح بعض التساؤلات علنا من خلالها نستشف كيف يجب أن يكون المسار الحقيقي للصحافة و الصحفيين في ظل الوضع الراهن ……
فكيف ينبغي أن تكون الصحافة ؟ و ما هي المهمة الحقيقية للصحفي ؟ و ما هو واقع الصحافة حاليا؟ وما هو المخرج في ظل اللغط الهائل وثورة الفيس بوك؟..
في زمن أضحى فيه أصحاب المال، ينفقون أموالهم على صحفيين ضعفاء النفوس، من أجل الإشادة بهم وإعلاء سمعتهم في غير وجه حق، كما أن بعض الصحفيين لا يجدون حرجا مما جاد عليهم به الدهر بأن يبيعوا القلم والفكر معا، ولا يبخلون وداً بأن يتسلق غيرهم القمة على حسابهم…
ورغم ذلك يجب علينا أن لا ننسى أولئك الصحفيين الأفذاذ، الذين سطروا كلماتهم بحروف من ذهب وجعلوا من حبرهم قلما سيالا في حرية الفكر والتعبير ومناصرة القضايا العادلة. على اختلاف أشكال العمل الصحفي سواء كان مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا، سياسيا، أو اقتصاديا أو اجتماعيا ، فيعد لزاما على الصحفي صاحب الضمير الحي، أن يكون ذا شخصية متزنة، لا تحركها الأهواء كيف ما تشاء، وأن لا يتلاعب بمشاعر الناس.
صحيح أن الأنترنت شكلت هاجسا على المسار الصحفي ومستقبله، فقد صارت سرعة انتقال الخبر تضاهي سرعة الضوء، كما أن المصداقية قد قلت في ظل انتهاك الحقوق وسرقة المصادر، والعبث بالمواد الخبرية من طرف أي شخص كان، المهم أن تكون له القدرة على استعمال الانترنت ولكن الكثير من الصحف والمجلات قد تجاوزت هذه المحنة بأن واكبت هذا التطور، فاستطاعت باحترافية أن تحجز لنفسها مكانا في قلوب المتصفحين للنت عن طريق مواقعها الالكترونية و مواقع التواصل الاجتماعي.
المشكل الذي يطرح بشدة بالنسبة للصحافة هو كلما زادت السلطة من تضييقها على حرية الصحافة والتعبير، كلما كسب الفضاء الأزرق المزيد من المنتسبين وانخرط في فضائه الافتراضي العديد من أشباه الصحفيين مع كل ما يحمله هذا التوجه من انحرافات خطيرة على مهنة الصحافة.
المشكل أن “فايسبوك” أصبح كيانا صحفيا وهميا بدون رقيب، لأنه لا يملك الوسائل التقليدية التي تسمح له بغربلة الاخبار الصحيحة من الخاطئة، والأخبار العادية من المعلومات التي تمس الحياة الشخصية لمختلف شرائح المجتمع، فوسائل الإعلام التقليدية تعتمد على سلسلة من “المصافي”، كرؤساء الأقسام، ونواب رئيس التحرير، ورؤساء التحرير، وكل هذه السلسلة تضطلع من خلال عملها على ضمان منتوج إعلامي في مستوى تطلعات القراء، كما تسمح لها بإنتاج معلومة دقيقة وذات مصداقية، وتخضع في عملية إنتاج المعلومات لشروط قاسية كالتقيد بالمهنية والموضوعية وأخلاقيات المهنة، مما يقلص من هامش الخطأ إلى أقصى درجة.
وهنا وجب التأكيد على أن هناك مسؤوليات أخلاقية وقانونية ومجتمعية ملقاة على كاهل الصحافة المهنية، لأن الكيانات الصحفية الوهمية، ومنتحلي صفة الصحفي، يمثلان خطراً داهماً على الصحفيين بشكل خاص، ومهنة الصحافة والإعلام بشكل عام…… ومن غير المعقول أن تطالب السلطة من الصحافيين أن يلتزموا بالمهنية في حين يمارس أشباه صحافيين هذه المهنة في الفضاء الأزرق بدون رقيب ولا حسيب….
وعلاوة على ذلك، بدلاً من أن يساعد الموقع الأزرق الصحافة التي تحاول التنقيب عن الحقيقة، زاد “فايسبوك” من أعباء الصحافيين بتحوله إلى مصنع للأخبار الكاذبة والتضليل! أكثر من هذا بل يسمح “فايسبوك لأشباه الصحفيين المنتسبين إليه بالاستفادة مادياً ، بما في ذلك السماح بجمع الأموال عبر الصفحات التي تنشر محتويات مخلة بالحياء، بل أصبح الفضاء الأزرق وسيلة فتاكة للقذف والشتم وتصفية الحسابات.
فمهنة الصحافة، أصبحت مهنة من لا مهنة لهم باللجوء إلى الفضاء الأزرق. فرواد مواقع التواصل الاجتماعي لا مسؤولية لهم، لأنهم ليسوا صحافيين بل هم مبلغين عن أحداث في معظم الأحيان لم يتأكدوا أصلا من حدوثها ، وفي معظم الأحيان يختلط الحقيقي بالمزيف والحديث بالقديم، حيث نرى أن الجميع أصبح يمتهن العمل بالصحافة وهم لا يمتلكون أية شهادات علمية سواء متخصصة أو غير متخصصة، ولا مؤهلات شخصية، ولا مؤهلات لغوية، ولا قدرة نهائيا علي صياغة الخبر، ولا الحصول علي دورات متخصصة في أحد فروع الصحافة، بل نجد كل مؤهلاتهم اللجوء إلي عالم الإنترنت في دنيا ثورة الاتصالات الرقمية، والحصول علي المعلومات دون القدرة علي تنقية وتنقيح الموضوعات، وربط أجزاء الموضوع ببعضها البعض، إضافة أن الجميع يحاولون دون تفكير أو فهم وتدبير أن يكونوا أشباه صحفيين أو كتاب في شتي فروع المعرفة، وهم لا يملكون قليل القليل من أدوات المعرفة، إذا نحن في زمن المسوخ الصحفية والإعلامية، في زمن أختلط فيه الصحفيين الحقيقيين مع أشباه ونفايات الصحفيين، وضاعت هيبة الصحافة في عالم الانفلات في كافة التخصصات.
وعندما نتحدث عن مثل هؤلاء الدخلاء والمتطفلين على مهنة الصحافة مهنة الأخلاق الشريفة، أو بمعنى آخر عندما نتحدث عن أمثال هذه الحشرات الضارة، نريد فقط أن نظهر لقراء الجرائد الورقية، ومتصفحي الجرائد الالكترونية، أن مهنة الصحافة لا تخلو بدورها من بعض النصابين والمحتالين، وإذا كان هناك خروقات أو تجاوزات لأخلاقيات المهنة تغضب القارئ والقانون على وجه التحديد، فإنها بالدرجة الأولى تمس بسمعة الصحافيين المهنيين الممارسين، الذين يتضررون من ممارسة زملائهم وخاصة الدخلاء على المهنة، إذ غدا عمل الصحفي مهنة من لا مهنة له، إذ أن الحرية الواسعة في إصدار الصحف الورقية و الإلكترونية وإنشائها ، لا تعني عدم وضع ضوابط تنظيمية في إصدارها، وجعلها لا تراعي آداب المهنة، وتسمح لكل من هب ودب بنشر ما يريد بهدف الربح والتجارة والتشهير، متجاوزين بذلك كل الأعراف أو القوانين، خاصة من أشخاص لا تكون لهم أدنى علاقة بحقل الإعلام أو التكوين الصحفي .
أشباه الصحفيين الذين يتجرؤون على المس بالحريات والأشخاص تشهيرا بهم و ابتزازا لهم، على الجميع الآن سلطات ونقابات وصحفيين حقيقيينن أن يضعوا حدا لهذه الفيروسات التي انتشرت كالوباء المدمّ ، لأن أشباه الصحفيين لهم من الأغراض ما لا يعلمه غيرهم، وهي بطبيعة الحال أغراض كما سبق و أن ذكرنا “حقيرة” تمامان مثل حقارة شخصهم و أصلهم.
ورغم تغاضي الهيئات الوصية على أولئك الذين يحملون بطائق لا علاقة لها بالصحافة من أجل الاسترزاق، اليوم جاء الوقت لكي يقطع المجلس المسؤول الطريق على حملة البطائق الغير مهنية، لأن الأمر تجاوز مفهوم التكافل الاجتماعي إلى الاسترزاق، ومن يدري فقد نجد غدا أشباه الصحفيين على قارعة الطرقات، يستجدون الصدقات بهاته البطائق التي لا تخضع لحسيب ولا رقيب، وقد تحمل عوض اسم المجلس على ظهرها جملة من نوع آخر، ربما : بطاقة صحفي للبيع.
وأصبحنا نجد عاطل صحفي، مول حانوت صحفي، شمكار صحفي……..، ؟؟؟؟؟
ومن ألف الذل لا يستقيم له عز.