الألباب المغربية/ محمد خلاف
من منا بمدينة الفقيه بن صالح لا يتذكر المرحوم أحمد بن الحسين مشهوري الذي قدم إلى المدينة من مدينة تازة سنة 1966، وعمل خليفة قائد المركز المستقل للمدينة ثم انتقل إلى قيادة بني عمير، إلى أن تقاعد سنة 1983، ليعين بعد ذلك محتسبا بالمدينة، وبظهير شريف، ومن حسناته الخالدة أنه تكلف بتوزيع المواد الغذائية الخاصة بالتعاون الوطني على الفقراء بكل تجرد ومسؤولية، وقطع الطريق على الانتهازيين، وساهم بقسط وافر بكل كثمان في رأب الصدع بين بعض القبائل المتخاصمة خصوصا على أراضي الجموع المسماة الخلفية بين أولاد عبد الله وأولاد سي ميمون، بتكليف من عامل بني ملال عبد الكريم العروصي في أبريل 1979… والراحل من مواليد مدينة القصيبة سنة 1923، عاش يتيم الأبوبين، بعد أن فقد الوالد وهو في سن الثالثة من عمره، وفقد الوالدة وهو في سن الخامسة، حيث تكفلت به جدتيه لأمه ولأبيه حتى اشتد ساعده، تلقى تعليمه الأولي بالكتاب القرآني، ثم انخرط سنه 1946 في حزب الاستقلال لمناهضة الاستعمار الفرنسي.
دوما يردد أن الحرية حق مشاع لبني الإنسان، وغاصبها مجرم، كما رددها المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي، فعمل الراحل أحمد المشهوري رفقة مجموعة من رفاق النضال على تأطير أبناء المنطقة سرا، كما عمل على فتح مدرسة حرة سنة 1948م بمسجد الليمونات تحت رئاسة الفقيه محمد ابن القلبي البزيوي، لكن السلطات الفرنسية أغلقتها خوفا من نشر الوعي حول الوطنية والكرامة، وبعد اعتقال الشهيد أحمد الحنصالي سنة 1951، تم القبض عليه رحمه الله بمدينة القصيبة، فنقل للتحقيق إلى شرطة المعاريف بالدار البيضاء، ثم إلى سجون بن سليمان، ومكناس، وسجن وسط قبيلة ٱيت خباش، وأرفود، وأخيرا سجن اغبالونكردوس بتاريخ 10 غشت 1953، والذي ظل به حتى أواخر سنة 1954م، رفقة خيرة المناضلين الشرفاء أمثال عمر بنشمسي والمهدي بن بركة، والمختار السوسي، وإدريس المسفر، العلمي الأجراوي، محمد الفاسي… وسط موجة من الاستنطاقات والتعذيب النفسي والجسدي…. وبعد خروجه من السجن بات وفيا لسجله النضالي، رفقة الطلائع الأولى لجيش التحرير، كانت حياته وكل قواه موهوبة لأروع شيء في العالم ألا وهو النضال في سبيل الوطن، والإنسانية.. كان رحمه الله يؤمن أن النضال المتواصل طريقه الأفضل للنمو والثبات، لا يريد أن يكون أميرا ولا حاكما، فقط يريد أن يكون حرا في بلده..
عرف عن الراحل الشجاعة وحب الوطن والوطنية والابتسامة في وجه الناس خصوصا الضعفاء، طلق المحيا مع أولاده، وتحكي ابنته الراقية مليكة مشهوري حيث تقول كنا نمازحه رحمه الله ونقول له إن توقيعك يشبه الهيلوكوبتير ويصعب تقليده فيضحك ضحكته الجميلة التي تبدأ من عينيه الحادقتين بالذكاء، كما تقول، وهي تتصفح مذكرات المرحوم والدها، صادفت أحداثا كانت تعرف بعضها وتجهل أخرى… وعادت بها الذاكرة الى الوراء حتى انقطعت عن الحاضر لحظات كثيرة وتكاد تراه أمامها وتسمع رنة صوته في أذنها… فتسيل دموعها غزيرة شوقا إليه.. لكن حديثه، كما عرفته يعود ليسرق منها بسمة.. بكل موضوعية وبشهادة ناس بني عمير وسكان لاربعا فالرجل يستحق كل الإعجاب والتقدير ، هذه الشخصية العصامية الصادقة حتى النخاع، فالراحل كان كريما، نبيلا لا ينتظر أن يستجدى أو يطلب أو يسأل.. بل يبادر ويعجّل في إغاثة الفقير والمظلوم بلا تسويف ولا منّة.. كان حبه لافحا للفقيه بن صالح وودعها مرغما لظروف المرض ولو كان الأمر بيده لاختار أن يبقى بلاربعا حتى آخر رمق من حياته، لكن الجلطة الدماغية حكمت بمشيئة الله إذ نقل إلى الرباط بسبب AVC في أكتوبر 2006… وكتب له أن يتخطى الأزمة الأولى وعاش بعدها 4 سنوات إلى أن باغته AVC اللعين للمرة الثانية في الخامس من دجنبر 2010 ودخل في غيبوبة دامت 25 يوما الى أن أسلم الروح الى بارئها نهاية سنة 2010، وفي نفسه أنه ليس هناك نجاح أو فشل، انتصار أو هزيمة، بل شيء اسمه الواجب، وأنا قمت به قدر استطاعتي.
ودفن بمقبرة الرياض بالرباط، فالموت لا يمحو رجال الله والوطن من هذا الوجود.. رحمه الله وموتى المسلمين….