الألباب المغربية/ حليمة صومعي
يقال المناسبة شرط ونحن على أبواب رمضان الابرك لا بد من الحديث عما يعرفه هذا الشهر من فحش في غلاء اسعار كل المواد. الغلاء الذي حطم كل الأرقام وتجاوز كل الخطوط الحمراء طيلة شهور هذه السنة فكيف سيكون عليه الحال خلال شهر رمضان الفضيل لهذا العام؟
انه حديث الجميع وطبعا الفئات الهشة وحتى الطبقة المتوسطة ان جاز لنا الحديث عنها بما إنها في طريق الإنقراض. فالغلاء اصبح حديث العام والخاص الصغار والكبار انه موضوع الساعة وحديث الجميع، ظاهرة مؤلمة ذات سمة سوسيولوجية واجتماعية تسببت فيها عوامل اقتصادية وسياسية مختلفة. فهذا الغلاء الذي انتشر بالمغرب في كل المواد الأساسية وتعدى كل المقاييس في الخضروات بشكل خاص التي تعتبر أهم احتياجات المواطن العادي. فهذا الارتفاع الكبير في الأسعار عرف تسارعا كبيرا في وقت وجيز بشكل لم يحصل طيلة تاريخ المغرب، فهل يمكن ارجاعه إلى ارتفاع ثمن المحروقات التي بدأت مع بداية حرب السنة الماضية بين روسيا واوكرانيا؟انعكست آثارها على التسويق و ثمن الإنتاج و ثمن التصدير و ثمن نقل السلع عبر الأسواق، ثم الخلل في التدابير الوقائية، وغيرها من العوامل التي أدت الى هذا الارتفاع المهول.
فهل فعلا هذه الحرب لوحدها هي السبب في زلزال الغلاء الفاحش ام هناك عوامل اخرى تعود إلى تجار الازمات يغتنون على جثث البسطاء والفقراء؟
هل يستقيم ان نحمل الحرب كل اوزار الغلاء؟ بماذا نفسر في الوقت الذي نشتكي فيه من الغلاء يمعن كبار الفلاحين ببلادنا تصدير المواد الرئيسية المواطن المغربي في حاجة إليها فيصبح العرض أقل من الطلب؟
الشيء بالشيء يذكر لا بد من استحضار نظرية رجل الاقتصاد البريطاني روبرت توماس مالتوس صاحب منهجية المردودية التنازلية والتي توضح أن ” نمو السكان يتم بوتيرة أقوى من وسائل العيش الشيء الذي ينتج عنه لا توازن تصاعدي” الا يحق لنا أن نتساءل عن دور الحكومة في هذا الخلل واللاتوازن الذي ينذر بكوارث اجتماعية لا قدر الله؟
فنتيجة للجشع فإن ما يحصل ليس سببه ما سبق أو حتى ما يسمى ب”التضخم المستورد” بل هو سياسات غير عقلانية وجشع رجال الأعمال. إن ما يعرف بتأثير “موجة التضخم المستورد” على الأسعار أمر صحيح، لكن ارتفاع الأسعار يفوق بكثير نسبة التضخم المعلنة، وهناك مواد غذائية ارتفع سعرها بنسبة 200 في المئة أو حتى 300 في المئة، ما يطرح أسئلة كبيرة عن نجاعة السياسة الزراعية المتبعة في المغرب” . كما يؤكد احدهم ينتمي لاحد أحزاب المعارضة.
الفوضى الاقتصادية أصبحت تعم المغرب، كون كثير من المضاربين الجشعين استغلوا ضعف استراتيجية الحكومة والفوضى في الأسعار التي لم تعد محددة، فأصبحوا يقومون بمضاربات لا أخلاقية وجشعة مما خلق كثيرا من المشادات والأحداث السلبية، فمن منا ينسى ما حصل سابقا بأحد الأسواق بضواحي مدينة القنيطرة تسببت “تصرفات انتهازية ومضاربات غير عادية في أسعار بعض المواد” في “مشادات” و”رشق بالحجارة”، وفق ما أوضحت السلطات المحلية لوكالة الأنباء المغربية”.
فالمؤشرات الإحصائية حول غلاء الأسعار بالمغرب بلغت أرقاما قياسية لم يسبق لها مثيل، فالبنك الدولي عند وضعه التحديثات الأخيرة لمعطيات “الأمن الغذائي” حيث جاء قراره بأن المغرب:
“في قائمة بلدان المنطقة الحمراء التي شهدت ارتفاعا واسعا في الأسعار بنسبة تتراوح ما بين %5 و30%، حيث أن التضخم الغذائي في المغرب شهد ارتفاعا وصل إلى 14.4% في نونبر الماضي”.
كما أن الهيئة المغربية للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان كانت واضحة اذ طالبت بكثير من الإلحاح بتسريع إجراءات من شأنها التخفيف من أزمة الغلاء بشكل نسبي، وكانت مطالبها:
“بأن تتحمل الحكومة مسؤوليتها المباشرة عبر نهج استراتيجية فعالة لتحقيق الاستقرار على مستوى الأسعار خاصة بالنسبة للمواد الأساسية، وبإيجاد حل مستعجل ونهائي لاستمرار إغلاق محطة تكرير النفط لاسامير، المؤسسات الحكومية المعنية بتحريك المساطر القضائية في حق المضاربين والمحتكرين الذين يسعون إلى مراكمة الثروات عبر استغلال الوضعية الراهنة. • مجلس المنافسة وكل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق المستهلك بتفعيل دورها في الرقابة الجادة والمسؤولة ووضع حد للزيادات التي تعرفها المنتجات أو تقوم بها بعض الشركات بدون وجه حق. • جمعيات المجتمع المدني الجادة ووسائل الإعلام بتسليط الضوء على هذه الوضعية، من اجل الضغط على لوبيات الفساد وفضح ممارساتهم الاحتكارية التي تضر بجيوب المواطنين” .
للأسف اليوم يزداد الأمر سوءا، ورغم اتخاذ بعض الإجراءات مثل تفعيل مقتضيات القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة للحد من فوضى الأسعار فهي لا تجدي إلا قليلا، لأن الخلل في العمق ويتجلى في سياسات فلاحية وتسويقية خاطئة، فمثلا نجد من أكبر أسباب غلاء الخضروات بهذا الشكل الرهيب عدة أسباب وتتمثل في:
_ على مستوى الفلاح نجد أن الدولة رفعت من ثمن الأسمدة ثلاث مرات مما خلق له وضعا كارثيا.
_ الاحتكار الذي انتشر بشكل خطير قوض كل الإجراءات التي تساهم في تخفيف الأزمة.
_ وسبب اخر يعد محوريا يتمثل في السياسة الفلاحية باستبدال زراعة الخضر الخاصة بالأسواق الداخلية بزراعة خضر وفواكه خاصة بالتصدير، وهو شيء يعد سببا مباشرا في غلاء الأسعار.
_ يضاف إليه زيادة التصدير هذه السنة الخضروات والفواكه إلى الأسواق الافريقية مما استفحل معه الأمر.
فهذا الفشل الذريع لكل السياسات سواء الإنتاجية أو الفلاحية التي تعجز الحكومة عن معالجتها وتقع على كاهل المواطن الضعيف، وبهذا الصدد فقد أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو (هيئة استشارية حكومية) بما يلي:
“أن المنتجات الفلاحية المغربية تعاني من مشكل كبير في التسويق، ما يؤدي إلى اختلالات في تنظيم الأسواق الأسبوعية، ويساهم في انتشار البيع خارج القطاع المنظم، فضلاً عن تأخر التحوّل الرقمي، والحجم المفرط للوسطاء الخارجين عن المراقبة، ما يؤدي إلى إذكاء المضاربة وارتفاع الأسعار” .
والشيء المخيف أنه في ظل السياسات الراهنة وتحليل المؤشرات، فإن كثيرا من الخبراء يؤكدون على أن الأزمة بالمغرب ليست مؤقتة وأن ارتفاع الأسعار سيبقى بشكل دائم، ويقول بهذا الشأن الرئيس المؤسس للجمعية المغربية للمحللين الماليين:
“أما بالنسبة للمغرب، بوصفه اقتصاداً نامياً، فالخروج من الأزمة سيتطلب وقتاً أطول”. مضيفاً أن الغلاء مرشح للتفاقم في الأسابيع والأشهر القادمة؛ “بل من المرجح أن تشكل الأسعار الحالية مستويات مرجعية لقادم السنوات!”.
لذا فإن أمام المغرب سنوات عجاف من الغلاء والقهر ستزيد الوضع سوءا، واقع أمامنا مرير جدا ومؤلم بشكل كبير، ومن المفروض أن نتعايش معه بشكل قهري، وضع سيستنزف كل قدرات وطاقات الشعب المغربي والمواطن العادي بالخصوص.