الألباب المغربية
(*) مصطفى طه
قبل دخول المعارضة اليوم الأحد 08 دجنبر الجاري العاصمة السورية دمشق، وذلك بعد ساعات من دخولها مدينة حمص، وجه أحمد حسين الشرع الاسم الحقيقي للقيادي العسكري، قائد “هيئة تحرير الشام” المشهور بلقب أبو محمد الجولاني، رسالة مباشرة لقوات جيش النظام، قائلا: “إلى جنود وضباط نظام الأسد، من دخل بيته وأغلق بابه… فهو آمن، ومن أعلن انشقاقه عن النظام المجرم وألقى سلاحه وسلم نفسه فهو آمن”.
ولد الجولاني عام 1982، ونشأ في حي المزة بالعاصمة دمشق، وتربى في عائلة ميسورة نشأ فيها ليبدأ دراسة الطب لاحقا، قبل أن تجرفه تحولات المنطقة نحو العمل الجهادي بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة “أبي مصعب الزرقاوي”، حيث تدرج في صفوف التنظيم قبل أن يُعتقل في العراق لخمس سنوات، حين نشوب الثورة السورية عام 2011، عاد الجولاني إلى بلاده ليؤسس “جبهة النصرة”، التي أصبحت سريعا فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
في البداية، حظي بدعم كبير باعتباره يقود فصيلا قويا ومتماسكا ضد النظام السوري. إلا أن الصراع مع تنظيم “الدولة الإسلامية” بقيادة أبي بكر البغدادي أدى إلى انشقاق الجولاني عن القاعدة في 2016 وتأسيس هيئة تحرير الشام، في محاولة واضحة لتخفيف القيود الأيديولوجية والانخراط في المشهد السياسي السوري.
علاقة بالموضوع، منذ انفصال هيئة تحرير الشام عن القاعدة، عمل الجولاني على تحسين صورته. تخلى تدريجيا عن المظاهر الجهادية التقليدية مثل العمامة، وظهر في زي عسكري أو مدني. بدأ باستخدام اسمه الحقيقي في المناسبات الرسمية، وصرح بأنه يسعى إلى إقامة إدارة مدنية في شمال غرب سوريا.
كما أطلق سلسلة من الخطابات الإعلامية الموجهة للداخل السوري والمجتمع الدولي، مفادها أن الهيئة تسعى لحماية المدنيين وضمان الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفي خطوة لافتة، أعلن الجولاني في وقت سابق أنه لا ينوي تنفيذ هجمات ضد الغرب، وهو تصريح استهدف تقليل مخاوف المجتمع الدولي وتصوير هيئة تحرير الشام كلاعب محلي يسعى لإدارة مناطق نفوذه بدلا من تصدير العنف، هذا من جهة.
من جهة أخرى، رغم محاولاته المستمرة لتغيير صورته، لا يزال الجولاني يواجه تحديات كبيرة. داخليا، اتُهمت هيئة “تحرير الشام” بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات اعتقال تعسفي وتعذيب، بحيث أن الأمم المتحدة اعتبرت أن بعض هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، كما نظمت احتجاجات في إدلب ضد ممارسات الهيئة، مما يشير إلى تزايد الاستياء الشعبي.
أما على المستوى الدولي، لا تزال الحكومات الغربية تصنف هيئة “تحرير الشام” كمجموعة إرهابية. ورغم تلميحات الجولاني إلى الاعتدال، فإن ارتباطه السابق بالقاعدة وأيديولوجيته المتشددة يجعلان من الصعب على المجتمع الدولي القبول به كلاعب سياسي شرعي.
(*) سكرتير التحرير