الألباب المغربية/ يونس المنصوري
أصبحت عمليات التجميل في عصرنا الحديث أكثر من مجرد تدخلات طبية لتحسين المظهر أو إصلاح العيوب؛ بل تحولت إلى هوس جماعي يعكس حالة من عدم الرضا عن الذات وضغطًا متزايدًا من معايير الجمال المفروضة اجتماعيًا وإعلاميًا. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات عميقة حول العلاقة بين الجمال والقناعة، وتأثير المجتمع في تشكيل هذا الصراع النفسي.
إن مفهوم الجمال لم يعد مجرد تعبير عن التنوع الطبيعي أو الخصوصية الفردية، بل أصبح معيارًا موحدًا تروج له وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. النماذج المثالية التي تظهر على الشاشات تخلق ضغوطًا نفسية تدفع الأفراد، خصوصًا النساء، إلى الاعتقاد بأن قيمة الإنسان تكمن في مظهره الخارجي. كما قال الفيلسوف أوسكار وايلد: “الجمال هو صورة انعكاس للعقل، فلا يمكن أن يكون الجمال الحقيقي مجرد شكل خارجي.”
هذه المعايير الزائفة تسلب الأفراد قدرتهم على تقدير جمالهم الطبيعي. عوضًا عن الاحتفاء بالتنوع، نجد أنفسنا أمام صناعة كاملة تهدف إلى تسليع الجسد، وتحويل رغبات الأفراد إلى مصدر للربح. كما يقول الكاتب اللبناني جبران خليل جبران: “لا تجعلوا الجمال هدفكم الأول، بل اجعلوه ثمرة لأعمالكم النبيلة.”
على الصعيد الديني، تنظر معظم الأديان إلى الجمال كنعمة يجب شكر الله عليها، لا كعيب يجب تعديله. القناعة والرضا بما وهبنا الله هما جوهر التوازن النفسي والروحي. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم” (سورة التين: 4)، وهذه الآية تحمل رسالة واضحة بأن الله خلق الإنسان في أبهى صورة تناسبه.
ومع ذلك، يفرق الدين بين التجميل لتحسين عيب أو إصلاح تشوه، وهو أمر مقبول ومحمود، وبين التجميل المبالغ فيه لتغيير الملامح الطبيعية، وهو ما يعكس عدم رضا ورفضًا لخلق الله. كما قال أحد العلماء: “الراضي بما قسم الله له هو من يعيش مطمئنًا وسعيدًا.”
اللجوء إلى عمليات التجميل غالبًا ما يعكس ضعفًا في الثقة بالنفس، حيث يصبح الإنسان أسيرًا لنظرات الآخرين وتوقعاتهم. قال الفيلسوف إيمانويل كانط: “الجمال الحقيقي يكمن في الأخلاق، أما الشكل فهو مجرد انعكاس عابر.”
من جهة أخرى، فإن المجتمع يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية بسبب انتقاده المتكرر واستهزائه بالاختلافات الجسدية. بدلاً من الاحتفاء بالاختلاف كجزء من الطبيعة البشرية، يتم دفع الأفراد للامتثال لقالب واحد، مما يؤدي إلى تراجع القيم الجوهرية لصالح القشور.
إن النقد الموجه لهذه الظاهرة لا يعني رفضًا مطلقًا لعمليات التجميل، بل هو دعوة للتفكير في الأسباب والدوافع. التجميل الذي يعكس حاجة حقيقية، مثل إصلاح عيب أو علاج مشكلة نفسية ناتجة عن تشوه ظاهر، هو تجميل منطقي ومقبول. أما المبالغة التي تجعل الإنسان مجرد نسخة مكررة من الآخرين، فهي تفقده هويته الخاصة وتضعه في دائرة من القلق المستمر.
كما قال الشاعر الألماني غوته: “لا تبحث عن الجمال في مظهر الأشياء، بل ابحث عنه في أعماقها، حيث يكمن الجمال الحقيقي.”
في النهاية، يجب أن نتذكر أن الجمال ليس مجرد صورة تنعكس في المرآة، بل هو نور ينبعث من الداخل. القناعة والرضا هما مفتاح السعادة، وليس الركض وراء معايير زائفة لن تحقق إلا فراغًا أكبر. الجمال الحقيقي يبدأ من تقدير الذات كما هي، لأن الإنسان، كما قال المتنبي:
“وإذا كانت النفوس كبارًا – تعبت في مرادها الأجسام.”