الألباب المغربية/ فؤاد الإدريسي
بسم الله الرحمن الرحيم، سأكتب عن هذه المناسبة الغالية عند المغاربة؛ بطريقة مغايرة عما يكتبه أصحاب الكتابات السطحية أو أصحاب الكتابات المزيفة للحقيقة. وكلا الطرفين غاياتهم مصالح مادية أو مدارس فكرية تخريبية دخيلة على المجتمع المغربي الأصيل المحافظ على القيم والتراث الراقي؛ فكلا الطرفين من أصحاب كتابات؛ لا يستحون من قراءهم ولا المبادئ ولا العقل ولا من يطلع على النوايا.
أما نحن في هذه الجريدة الألباب المغربية لا يسمح لنا ضميرنا بخداع قرائنا ولا خيانة رسالة الحقيقة، الحقيقة التي ينبغي السؤال عنها؛ من وراء الدعاية لمقاطعة شعيرة من شعائر الإسلام التي يعظمها المغاربة ؟ وما السبب في إثارة الجدل حول الأضحية ؟
ومن يستغل مواقع التواصل لخداع المغاربة لتنفيرهم عن تقربهم إلى رازقهم وخالقهم ؟
ومن يستغل الأزمات والمناسبات الدينية؛ ويدغدغ عواطف المغاربة بإستغلال أزماتهم لإشعال الفتن والعصيان المدني لإسقاط الدين والدولة ؟
ومن له الحق في الدعوة لإلغاء العيد أو مقاطعة المنتجات والسلع ؟
وما الغاية من تشريع العيد؟ هل التهلكة والتباهي والتفاخر أم التعبد والأجر والتوسعة على الأولاد وتماسك المجتمع ؟
هذه الأسئلة العميقة التي سنجيب عنها؛ ستوضح الحقيقة وتحسم هذا الجدل المفتعل لترويجه في المجتمع وسترفع وعي المجتمع لحصانته فكريا وأمنيا وثقافيا وإجتماعيا .
أقول: يستغرب العقلاء من هذا الجدل المفتعل والدعوة للمقاطعة في مواقع التواصل من جهات غير معلومة ولا رسمية مختصة دارسة لوضعية المجتمع أو دارسة لوضعية الفلاحين وقطيعهم وهل سيضر مقاطعة شراء الأضحية المغرب أم لا ؟
وبهذا تساؤل الدقيق والمنطقي؛ يظهر لكل عاقل أن هناك جهات مجهولة تريد الفتنة والإضرار بالمغرب والفلاحين وتدعو دائما لمقاطعة المنتوجات المغربية فقط أو الشركات الأجنبية التي تغطي ضروريات المغاربة.
لأنه لا يمكن أن يقبل عاقل دعوة مقاطعة لأي منتوج أو مناسبة دينية، من مواقع التواصل أصحابها مجهولين ولم تصدر من جهة رسمية مختصة ..
وحتى المغاربة كلهم منشغلين بشؤونهم الأسرية؛ تربوا ألا يتدخلوا في أمور ليست من إختصاصهم تحتاج لدراسات وتقييم للوضع؛ بل يسألون أهل الميدان؛ في الدين يسألون أهل العلم والفتوى، والصحة يسألون أطباء وهكذا؛ لأن المغاربة ليسوا فوضويين.
بل إنهم خاصة في أمور الدين كعيد الأضحى؛ ولو يدعو ولي الأمر الملك نصره الله؛ الذي له صلاحية إلغاء العيد مع مشاورته للعلماء وأهل الإختصاص بعد دراسة الوضع والتحقق؛ المغاربة سيضحون خفية ويذبحون الأضاحي تقربا لله، كما فعلوا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله.
وهذا يدل دليلا قاطعا أن الدعوة لإلغاء العيد ليست من شيم المغاربة؛ المغاربة يصبرون على الجوع ولا يفرطون في ملكهم ودينهم و ما يقربهم لخالقهم، لا يستطيع أحدا أن يبعدهم عنه.
ومن يدعون للمقاطعة يريدون الإضرار بالمغاربة وبالمغرب ومأجورين من جهات لديها أطماع بالمغرب؛ فهي تشجع على الفتنة بين الشعب والدولة؛ وتريد إبعاد المغاربة عن مصدر قوتهم وتماسكهم وتضامنهم وهو الإسلام وشرائعه،
لتفريق بينهم وتفكيكهم إجتماعيا؛ لأنهم يعلمون أن عيد الأضحى والعبادات الدينية تجعل المجتمع قويا ومتماسكا ومتضامنا يصعب تمزيقه وإحتلاله.
لهذا فليحذر المغاربة من مواقع التواصل وغيرها من الجهات ولا يثق بها؛ ولا يثق بخبر ولا شائعة حتى يتثبت منها؛ وتكون من جهة رسمية مختصة؛ لأن عدو أصحاب هذه الشائعات والدعوات هو أنت أيها الشعب المغربي لتكون ضحية مثل الشعب السوري واليمني والسوداني “فإذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة وتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
الفتوى بإلغاء العيد وعدمه؛ جعلها الشرع والقانون والمنطق من خصوصيات ولي الأمر أمير المؤمنين الملك نصره الله الذي يشاور أهل الحل والعقد وأهل الاختصاص بعد الدراسة الدقيقة لحالة القطيع والفلاحين والإنتاج؛ وهل إلغاء العيد سيضر القطاع الفلاحي وبالتالي يضر المغرب والمغاربة؛ وهل ستكون أضرار بإلغائه أكثر من عدم إلغائه ؟
يعني يقدر المصلحة والمفسدة؛ ليست الأمور فوضى وعبث؛ استيقظ وأصيح بمقاطعة العيد والسلع! لرفع الضرر عن نفسي فقط ومصلحتي الشخصية؛ ولا أبالي بالضرر بالمغاربة؛ يعني بقطاعهم الفلاحي الذي هو من الدعامة الأساسية في إقتصاد المغاربة ويوفر لهم الوفرة في الغذاء التي لا توجد في بعض الدول النفطية والمتقدمة !! مما سيساهم في أزمة كبيرة فيما بعد للمغاربة؛ وحينها سيندمون بعد فوات الأوان ويعضوا أصابع الحسرة؛ ويقولوا ياليتنا سمعنا لصوت الحكمة وأهل التخصص “الدولة والحكومة”.
لهذا المنافق يحسن زخرفة الكلام والوقيعة بين الناس ويرفع شعارات الإصلاح وهو يريد الدمار حبا للمناصب والأموال على حساب الشعب (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ).
وإذا تمعنت في دعوة هؤلاء المجهولين الجبناء للمقاطعة الأولى للمنتجات المغربية (كالحليب ومشتقاته والبنزين ..) والتغرير بالمغاربة ودغدغة عواطفهم بإستغلال الأزمة العالمية للغلاء ودعوتهم للمقاطعة للمنتوجات المغربية فقط، وراء حسابات إفتراضية مجهولة.
إذا تمعنت أيها المغربي الأصيل المعروف عليك التعقل والبصيرة؛ لماذا لم تدعو تلك الجهات المجهولة لمقاطعة المنتجات الفرنسية أو إسبانية أو أمريكية؛ رغم أني ضد الدعوة لمقاطعة المنتجات الأجنبية؛ لأنها خاصة بأهل الإختصاص ولي الأمر وبطانته المختصة بدراسة الوضع ولديها المعطيات لكي تكون المقاطعة ناجحة وبدون ضرر لإقتصاد وضروريات المغاربة (هذه قاعدة ينبغي حفظها تفضح دعاة التطرف الذين يدعون لمقاطعة منتجات أجنبية بدون مراعاة الضرر الذي سيحصل لإقتصاد الشعوب).
نعود لسؤالك: أخي المواطن المغربي المتبصر؛ لماذا لم تدعو هذه الجهات لمقاطعة المنتجات الأجنبية الفرنسية والأمريكية والإسبانية ويدعون لمقاطعة المنتجات المغربية فقط التي تساهم في إقتصاد المغاربة وتشغيلهم وحل أزمات كثير من الأسر؟!!!
ألا يجدر بك أخي المواطن أن تجلس مع نفسك وتتمعن في هذا السؤال؟ وتجد الإجابة العادلة السليمة؟
فهمت أيها المواطن الأصيل: أنك مخدوع ويستغلون أزماتك لغسيل دماغك وجعلك سلاحا من جهات مجهولة ضد وطنك وضد إقتصادك وأمنك القومي والإجتماعي والغذائي ومؤسسات دولتك العريقة وعقيدتك اللتين هما صمام أمانك وحمايتك من التشرد والتفرق وصولة العدو .
فهمت أيها الشعب المغربي الطيب: أن هذه الجهات تخدم مشروع أعدائك وقوتهم وإضعاف دولتك؛ تجدهم يوسوسون لك بمقاطعة العبادات والأعياد والسلع والشركات المغربية وهم يتمتعون بالتبضع وإرتياد المطاعم والشركات الأجنبية وتقوية إقتصادها العالمي بتشجيع شعوبنا على سلعها ومنتجاتها للسيطرة على العالم وتشريد الشعوب.
أنا الشعب المغربي: لست بالحب ولا الحب يخدعني، والعقلاء لا ينطلي عليهم الترويج للجدل في عيد الأضحى وغيرها من المواضيع (سياسية أو دينية أو ثقافية أو رياضية) كل مرة من أجل تفريق المغاربة إلى فصائل وجماعات وإبعادهم عن ما يوحدهم ويقويهم (دينهم وملكهم والمخزن الشريف)؛ وعدم سماع كلامهم ورؤيتهم المستقبلية لتقدم المغاربة وإثارة الفوضى والسخط على الدولة بدون نية الإصلاح في كل نقاش أو جدل يطرأ في المجتمع؛ خدمة للمشروع الغربي الأممي للسيطرة على الوطن العربي؛ كما يفعلون لترويج للجدل في النزاع المفتعل للصحراء المغربية ليطول أمده؛ وكذلك خلق الجدل في قضايا الشذوذ والعلاقات الغير الشرعية وحرية المعتقد للترويج لها؛ لتشكيك مغاربة في دينهم وثوابتهم وتلميع أصوات عملاء المشاريع الغربية الثقافية لجعل كثير من الشعب قطيع لهم، لضرب هوية المغاربة وتراثهم بالضغط على الدولة لتغيير الدستور؛ لدستور علماني أممي جمهوري إلحادي فوضوي؛ الذي يضعف الدولة ويزرع الطائفية والحرب أهلية وزرع التطرف تحت ذريعة حرية الإعتقاد والرأي والإنحلال الأخلاقي؛ كما فعلوا بدولة لبنان خربوها بدستور علماني إلحادي جمهوري الذي فرضه الإحتلال.
تنبيه مهم جدا:
لنتمعن جيدا ونخاطب أنفسنا بإنصاف، ونسألها هل قضية الغلاء وأزمات التي ظهرت مؤخرا بعد كورونا؛ هل خاصة بالمغرب بسبب سوء تدبير الحكومة أم هي أزمات عالمية تعاني منها حتى بعض الدول المتقدمة التي لديها إكتفاء ذاتي في كثير من المجالات؟ وما هو السبب وراء هذه الأزمات التي ظهرت مع كورونا التي من بينها الغلاء ؟
الجواب بإنصاف ومصداقية:
كما أثبتت الدراسات والمعطيات الواضحة وضوح الشمس؛ أن أزمة الغلاء وغيرها من الأزمات ليست خاصة بالمغرب، وليست بسبب سوء تدبير الحكومة؛ بل هي أزمة عالمية مقصودة من طرف القوى العالمية لإضعاف الدول وتحريك العصيان المدني وإنتفاضات لتخريب الدول، والأدلة بالوثائق تؤكد أن كورونا والحرب الروسية الأوكرانية مؤامرة من القوى العظمى لخلق أزمة الغلاء وضعف الموارد والإنتاج وغيرها من أزمات؛ لزرع الفتنة وإضطرابات داخلية، كما فعلوا بسوريا واليمن.
ولاحظتم أن كثير من الدول التي أقوى منا بتوفرها على البترول والغاز عانت ولازالت تعاني من أزمة الغلاء.
وبعكس المغرب الذي لا يتوفر على ثروات ومصادر قوة مثل غيره من الدول واستطاع تدبير هذه الأزمات وتخفيف آثارها بشكل كبير، واستطاع مواصلة مشاريعه المستقبلية وإخراج الدعم وتخفيف نسبة الغلاء مقارنة مع دول متقدمة علينا وغيرها من إنجازات إجتماعية بفضل الله وبفضل السياسة الحكيمة لجلالة الملك نصره الله ومستشاريه المخلصين للوطن والحكومة التي طبقت تلك التعليمات بحذافيرها وفي وقتها.
ولا يمكن إنهاء الأزمات لأن الوضع العالمي المفتعل كارثي (منافذ البحرية التي تمر منها السلع أغلبها فيه حروب، التي هي سبب الغلاء لإرتفاع فاتورة النقل وكذلك إرتفاع سعر البترول في أغلب فترات).
وهذه الأسباب تنصف الحكومة في عدم مسؤوليتها عن هذه الأزمات؛ بل يجب أن نتحد معها وتشجيعها على ما تفعل من تخفيف نسبة الغلاء ومواجهة تحديات (الجفاف وكورونا والحروب المفتعلة)..
ولا نقع في الفخ التي تريده القوى العالمية التي أشعلت الحروب وصنعت كورونا من أجل حصول الفوضى والفتنة في دولنا وتخريبها بأيدينا بفقد الثقة في مؤسساتنا، عوض الحفاظ على نعمة الأمن والمكتسبات التي حققها المغرب رغم ضعف إمكانياته، مقارنة ببعض الدول النفطية والغازية التي تعيش في إضطرابات وأزمات بسبب سوء تدبير حكوماتها لتسيير البلاد، وعدم وعي غالبية شعوبها التي انجرت وراء الإعلام الهدام. وكذلك علينا أن نتعاون مع دولتنا لنتبع طريق الإصلاح بالحكمة والصبر وليس طريق الفوضى والخراب؛ ولا ننسى أن نحن لدينا إسهام في حصول كثير من الأزمات؛ لأن المسبب والمقدر للخير والشر يعني هذه الأزمات هو مدبر الكون الله خالق هذا الكون الذي نعيش فيه هذه الأزمات، وحتى تسلط وإفتعال القوى العظمى للأزمات لنا؛ بتقدير الخالق للبشرية من تراب المنعم عليها بنعمه؛ فبسبب تعلقنا بالرفاهية وإبتعادنا عن تعلم العقيدة والدين وتمسكنا به، وارتكابنا لما يغضب الله؛ وتأثرتنا بثقافة عدونا الذي سلطه الله علينا ليفتعلنا هذه الأزمات (الجفاف والغلاء والبطالة)، التي يعاني منها كثير من الشعب المغربي : “نسو الله فنسيهم”.
إذن الحل الوحيد لإنهاء الأزمات التي يعاني من الشعب؛ هو التمسك بعقيدتنا وتطبيق الدين في حياتنا وإبتعاد عن ما يغضب الله من الشرك والخرافة والبدع والإلحاد والشذوذ وكل ما يسلط غضب الله علينا (الجفاف والغلاء)، وحماية أمننا بالتعاون والإتحاد مع دولتنا لبناء مغرب متقدم الذي نطمح له جميعا والتعلق بالعرش العلوي المجيد وكل مؤسسات الدولة.
وختاما، عيد الأضحى ليس عادة أو مناسبة من أجل الأكل واللحم أو من أجل الأولاد، وليس للتباهي والتفاخر على بعضنا وغيرها من السلوكات القبيحة المفرقة التي هي ضد غايات هذه العبادة العظيمة التي تغذي الروح وتصلح الظاهر والباطن والسلوك والأسرة والمجتمع وتقويهم.
من شروط هذه العبادة؛ أن تكون لله خالصة ولا يكون فيها رياء ولا تباهي؛ فإذا دخلها التباهي والرياء لم تقبل عند الله (لن ينال الله دماءها ولا لحومها ولكن يناله التقوى منكم). وهي أصلا سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، وليست فرضا على العاجز الذي لا يستطيع شرائها ..(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
العيب ليس في عيد الأضحى ولا شرائع الله؛ العيب فينا نحن؛ إنخداعنا بالغرب وتأثرنا بثقافته المدمرة للأسرة والمجتمع؛ التي تكلف النفس ما لا تطيق من التكلف والتباهي بأعياد الميلاد والحب والمرأة والمناسبات والسفريات، من أجل عيش حياة مصطنعة تعيسة في الحقيقة تفرق المجتمع وتفكك الأسرة وتعلق النفس بالرفاهية والمظاهر وتهمل الجوهر وغذاء الروح والسعادة الحقيقية وتماسك المجتمع حقدا على بني أدام.
وبهذا يتبين أن هذا الجدل حول العيد مفتعل ومقصود للأسباب السالفة الذكر (المؤامرة على مغاربة وفرض النظام العالمي الجديد الإستعبادي الإلحادي الفوضوي على المجتمعات).
التغيير الحقيقي هو تغيير أنفسنا بالرجوع إلى قيمنا وأخلاقنا وعقيدتنا التي هي الحصن الحصين من كل الأزمات ونكون يدا واحدة مع دولتنا والمشي وراءها لإنجاح المشاريع المستقبلية التي فيها رفاهيتنا وإزدهارنا. (الصبر مفتاح الفرج)،
والإبتعاد عن الإدمان على الرفاهية وتكليف النفس ما لا تطيق، والحذر من الإستماع والثقة في أصحاب الشائعات والفتنة والتفاهة؛ الذين يستهزؤون ويشوهون الدين والملكية والمخزن .(إن يد الله مع الجماعة).