الألباب المغربية/ يونس المنصوري
المدينة، بما تتمتع به من ديناميكية وسرعة تغير، تُعتبر مركزًا للتقدم والتحضر، حيث يبحث الكثيرون عن حياة أفضل وملائمة للمتغيرات العصرية. يرتبط العيش في المدينة، بالنسبة للكثيرين، بفكرة التقدم والانفتاح على فرص جديدة. لكن، هل تعكس المدينة فعلاً تطور الإنسان؟ وهل التحرر الذي يظنه البعض تحررًا حقيقيًا هو في الواقع مجرد تبرج مادي، سواء في مظهر الإنسان أو في سلوكياته؟
من المعروف أن الحياة الحضرية تتسم بالانفتاح على الثقافات المختلفة، وتنوع الأنماط الاجتماعية، وهو ما يراه البعض مؤشرًا على التطور والتحضر. ومع ذلك، قد تظهر المدينة في بعض الأحيان كفخ تتشابك فيه الأفكار والمعتقدات، ما يؤدي إلى فقدان الهوية الأصلية للأفراد. إذ يُنظر إلى تطور الإنسان في المدينة في كثير من الأحيان على أنه مرتبط بتكيفه مع تلك الأنماط الحياتية السريعة والتغيرات المستمرة، مما يخلق نوعًا من الإحساس بالتحرر، ولكنه تحرر مؤقت، غير حقيقي في جوهره.
المرأة في المدينة تعيش في بيئة تشبعها بكل ما هو جديد، من الموضة إلى العمل الخارجي، ومن المظاهر الاجتماعية إلى الحريات الفردية. ومع تطور المفاهيم المجتمعية حول دور المرأة في الحياة العامة، يبدو أن العديد من النساء في المدن يعبرن عن تحررهن من خلال ممارسات ومظاهر تُعتبر تعبيرًا عن استقلالهن وحريتهن. لكن هذا النوع من التحرر قد يكون خادعًا. في حين أن بعض النساء قد يظنّن أن ظهورهن بأحدث صيحات الموضة والعمل خارج المنزل أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية المختلفة يعبر عن تحرر حقيقي، إلا أن هذا قد يكون مجرد محاكاة لصور معينة يتم ترويجها في الإعلام أو في مجتمع المدينة.
àهنا، يمكننا ربط مفهوم التحرر المزعوم في المدينة بما يحدث مع المرأة في حياتها الحضرية. من خلال مفهوم “التحرر الظاهري”، تعيش المرأة في المدينة تحت ضغط مستمر لتتبع أحدث الاتجاهات والأنماط السلوكية التي يُعتبر اتباعها بمثابة تحرر وتقدم. لكن ما يحدث في الواقع هو أن هذا “التحرر” ليس تحررًا حقيقيًا بقدر ما هو توافق مع رغبات المجتمع أو معايير سطحية لا ترتبط بالقدرة على اتخاذ قرارات حقيقية بناءً على قناعات شخصية.
التحرر الحقيقي للمرأة يجب أن يتجاوز التمظهر أو العمل الخارجي ليتعلق بالحرية الفكرية والقدرة على اتخاذ الخيارات التي تتماشى مع قيمها ومعتقداتها الخاصة. التحرر ليس في ارتداء ملابس حديثة أو العمل في مهنة معينة، بل في القدرة على اختيار الحياة التي تعكس الأهداف الشخصية، دون أن تُفرض عليها أطر اجتماعية أو معايير معينة تحدد دورها.
وفي النهاية، يمكننا القول أن ما يحدث في المدينة، سواء مع الإنسان أو مع المرأة، هو نوع من “التحرر المزعوم” الذي يُحاكى في المظاهر والسلوكيات. إذ يظن الكثيرون أن التغيير الظاهري أو الانفتاح على أفكار جديدة هو ما يعني التحضر والتطور. لكن الحقيقة أن التطور الحقيقي يكمن في الوعي العميق للذات، في القدرة على اتخاذ قرارات حرة لا تتأثر بالمعايير الاجتماعية السائدة، وفي إيجاد التوازن بين المظهر الداخلي والخارجي، بين الفعل والنية.