الألباب المغربية/ يونس المنصوري
المجتمع المريض ليس بالضرورة ذاك الذي يظهر فيه الفساد بشكل علني أو متفشي. بل هو ذاك الذي يعتاد على ممارسته، ويبدأ في تبريره وإعطائه حججًا تبدو منطقية أمام أعين الناس. إن الفساد في أي مجتمع يعد سرطانًا يلتهم قيمه وأخلاقياته، لكن الأخطر من ذلك هو تحول المجتمع إلى بيئة حاضنة لهذا الفساد، حيث يتزايد الاستهجان أو التجاهل لكل مظاهر الانحراف الأخلاقي أو السلوكي.
عندما يجد المجتمع أعذارًا للفساد، يبدأ في تصنيفه كجزء من “الطبيعة البشرية”، أو كجزء من “التحديات الاقتصادية” أو حتى “المشكلات الهيكلية”. هذه الأعذار تجعل الناس يتقبلون الفساد كجزء من الروتين اليومي، بل قد يذهب البعض إلى تبرير فساد المسؤولين بدعوى أنهم “كانوا مضطرين” أو أن “الظروف هي التي أجبرتهم على ذلك”. هذا التبرير ليس مجرد محاولة لتخفيف المسؤولية، بل هو اعتراف ضمني بأن الفساد أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
- نماذج تبرير الفساد في المجتمع
الفساد الإداري: “كلهم يسرقون، لم أعد أستطيع العيش بدون ما أحصل على حقي من الرشوة”، هكذا يقول البعض مبررين تصرفاتهم الفاسدة. في هذا السياق، يصبح الفساد جزءًا من العقلية السائدة في كثير من المؤسسات، حيث يُنظر إلى الرشوة باعتبارها “جزءًا من الحياة” وليس “انحرافًا عن القانون”. على الرغم من أن هذا التصرف ينتهك القيم الأخلاقية، إلا أن الأفراد الذين يتبنون هذا الموقف لا يرونه تصرفًا خاطئًا، بل مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة في نظام اعتاد على الفساد.
الفساد السياسي: في بعض الأحيان، يُبرر الفساد السياسي على أساس “الاستقرار السياسي” أو “الضروريات الوطنية”. يقول البعض: “إذا كانت الدولة تحتاج إلى هذه الأموال لمشاريع تنموية، فلا بأس أن يأخذ المسؤولون جزءًا منها”. هذه الحجج تمنح غطاء قانونيًا وأخلاقيًا للفساد، بحيث يتم تبريره تحت مسمى “المصلحة العامة”، بينما الواقع يثبت أن الأموال تُستغل لمصلحة فئة معينة على حساب الفقراء والمهمشين.
الفساد المالي: “أنا لست وحدي، الجميع يتلاعب بالأرقام ويهرب من الضرائب”، قد يردد البعض هذا القول حينما يُتهم بالتهرب الضريبي أو بالتلاعب في حساباته المالية. هنا، لا يظهر الفساد كخيانة للقانون، بل يُنظر إليه كممارسة شائعة في أوساط الطبقات الاجتماعية التي تبحث عن طرق للتهرب من الأنظمة المالية. ما يُنسى في هذه التبريرات هو أن هذا النوع من الفساد يضر بالاقتصاد الوطني، ويؤدي إلى زيادة الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
- أثر الأعذار على المجتمع
المجتمع الذي يعذر الفساد هو مجتمع يعاني من التكلس الفكري والأخلاقي. فهو يرى التغيير صعبًا أو مستحيلاً، وبالتالي يتخلى عن محاسبة نفسه. وهكذا، يتحول الفساد إلى سمة سائدة تُمارس تحت ستار من الأعذار الواهية. تصبح القيم والمبادئ مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بينما الواقع يعكس صورة قاتمة من الانحلال.
لكن هل يمكن أن نعود إلى مجتمع سليم، يعيد النظر في هذه الأعذار ويحاسب نفسه بجدية؟ نعم، ولكن ذلك يتطلب تغييرًا عميقًا يبدأ من الأفراد أنفسهم. علينا أن ندرك أن الفساد لا يتعلق فقط بالممارسات غير القانونية، بل يبدأ من التراخي في المبادئ، ومن التساهل في التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو غير مؤثرة في البداية. لهذا يجب على كل فرد أن يطرح على نفسه سؤالًا دائمًا: هل أساهم في خلق مجتمع يعذر الفساد، أم أنني أعمل على بناء بيئة خالية من كل أشكال الانحراف؟
إن معالجة الفساد لا تكمن في محاربته فقط، بل في تجنب جميع أشكال التسامح معه. فالمجتمع الذي يرفض الأعذار، هو المجتمع الذي يبدأ في مسار التغيير نحو الأفضل.