الألباب المغربية/ الكابوس أبو سفيان
في المغرب، يلعب القطاع الجمعوي دورا حاسما في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد. إلا أن جزءاً من هذا النسيج الجمعوي ملوث بممارسات مشكوك فيها تثير جدلاً متزايداً. فالجمعيات، التي من المفترض أن تكون ناقلات للتضامن والتقدم، تجد نفسها تحت سيطرة جهات فاعلة عديمة الضمير تستغل الإعانات العامة لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية.
اختلاس الإعانات العمومية
وفي كل سنة، تخصص الدولة مليارات الدراهم لدعم الجمعيات العاملة في مختلف المجالات كالتعليم والصحة والبيئة والعمل الاجتماعي. وفي حين أن العديد من هذه المنح تحقق أهدافها، إلا أنه يتم تحويل جزء كبير منها، وتحصل بعض الجمعيات الوهمية أو غير الموجودة على أموال عمومية بفضل التواطؤ الداخلي، خاصة في الإدارة المحلية أو المركزية. ممارسات التحويل هذه، التي يصعب اكتشافها في كثير من الأحيان، تحرم المواطنين من الخدمات الأساسية التي ينبغي أن يضمنها هذا التمويل.
ولا تزال الضوابط غير كافية، وتشير بعض التقارير الرسمية إلى وجود حالات شاذة، لا سيما في الإدارة المالية وانعدام الشفافية. ولا تتردد بعض الجمعيات في تزوير ميزانياتها أو تضخيم نفقاتها أو تحويل الأموال لمشاريع وهمية.
الاستغلال السياسي للجمعيات
وبالإضافة إلى الاختلاس المالي، تعمل العديد من الجمعيات كأذرع مسلحة للأحزاب السياسية. وهذه الجمعيات، التي من المفترض أن تكون غير سياسية، تتحول إلى مراكز انتخابية أو أدوات دعائية. وتستخدم الأحزاب السياسية هذه الكيانات لترسيخ نفوذها في المناطق الريفية أو الحضرية، وخاصة خلال الفترات الانتخابية.
وفي بعض الحالات، يتم تمويل الجمعيات من القطاع العام لتنظيم فعاليات أو حملات لصالح حزب معين. وهذا الوضع يخلق منافسة غير عادلة في المجال السياسي ويعرض حياد العمل السياسي للخطر.
عدم وجود آليات رقابية فعالة
وتظل المشكلة الرئيسية هي غياب الرقابة الصارمة والشفافة، وعلى الرغم من وجود عمليات التدقيق، فإنها لا تغطي سوى جزء صغير من الجمعيات المستفيدة. وعدم وجود عقوبات رادعة يشجع على انتشار الممارسات غير القانونية.
علاوة على ذلك، فإن بعض القادة السياسيين يغضون الطرف عن هذه الانتهاكات، لأنهم يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الاختلاسات. وهذا يعزز الشعور بالإفلات من العقاب ويشوه صورة القطاع التطوعي.
العواقب على المجتمع المدني
ولهذه الممارسات تداعيات خطيرة على المجتمع المدني. إنها تقوض ثقة المواطنين في المؤسسات والمبادرات الاجتماعية، الجمعيات الحقيقية الملتزمة بالصالح العام تعاني من نقص التمويل وتهميش متزايد في وجه المستفيدين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التحويلات تعيق التنمية المحلية وتؤدي إلى تفاقم عدم المساواة. المشاريع التي من المفترض أن تعمل على تحسين الظروف المعيشية للفئات السكانية الضعيفة والهشة لا ترى النور أبدًا، أو يتم تنفيذها بموارد غير كافية.
ما هي الحلول؟
لمكافحة هذه الانتهاكات، يمكن النظر في عدة تدابير:
- تعزيز آليات الرقابة: يجب على الدولة إنشاء هيئات رقابية منتظمة ومستقلة لتقييم إدارة الأموال العامة من قبل الجمعيات.
- العقوبات الصارمة: يجب حل الجمعيات المتورطة في الاختلاس ومحاكمة مدبرها.
- تشجيع الشفافية: يجب على جميع الجمعيات نشر بياناتها المالية وتقارير نشاطها.
- عدم تسييس القطاع: يجب على الأحزاب السياسية التوقف عن استخدام الجمعيات كأدوات انتخابية أو دعائية.
وفي الختام، إذا كان المغرب يرغب في تعزيز نسيجه الجمعوي وضمان دوره في التنمية الوطنية، فمن الضروري إنشاء إطار حكامة شفاف وصارم. كما أن المشاركة النشيطة للمجتمع المدني في إدانة الانتهاكات ومراقبة الدعم العام ستكون بمثابة أداة أساسية لتنظيف هذا القطاع الاستراتيجي.