الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
عندما يتعلق الأمر بالمنظومة التعليمية، يصبح أي قرار إداري فعلًا مؤثرًا في مستقبل المجتمع، وليس مجرد إجراء تنظيمي عابر. فالمدرسة ليست مجرد مؤسسة، بل فضاء تُبنى فيه العقول وتتبلور فيه القيم، مما يجعل كل تغيير في إدارتها جزءًا من عملية أوسع تؤثر على جودة التعليم واستقراره. في هذا السياق، جاء قرار وزير التربية الوطنية بإعفاء 16 مديرًا إقليميًا ونقل 7 آخرين ليثير تساؤلات عميقة حول مدى استناده إلى رؤية إصلاحية حقيقية، أم أنه مجرد ارتجال إداري يعكس غياب استراتيجية واضحة.
لا شك أن قطاع التربية الوطنية يحتاج إلى إصلاح جذري، نظرًا للتحديات العديدة التي يواجهها، من ضعف الجودة التعليمية إلى غياب الفعالية في التدبير. غير أن الإصلاح لا يمكن أن يكون عملية إقصائية تهدف إلى “التطهير الإداري”، بل هو مسار يعتمد على التقييم الموضوعي للأداء، ووضع معايير واضحة للمحاسبة، بدل اتخاذ قرارات فجائية قد تزيد من تعقيد الوضع. فالنظر إلى هذه الإعفاءات يكشف عن غياب مقاربة تشاركية، حيث لم تسبقها استشارة موسعة مع الفاعلين التربويين، ولم يتم تقديم مبررات واضحة للرأي العام، مما يعزز الشعور بعدم الشفافية في إدارة القطاع.
إضافة إلى ذلك، يأتي القرار في توقيت شديد الحساسية، حيث كان من المفترض أن يكون التركيز منصبًا على استقرار المؤسسات التعليمية بدل خلق ارتباك في إداراتها. إن تغيير هذا العدد الكبير من المسؤولين، دون ضمان انتقال سلس في المسؤوليات، قد يؤدي إلى اضطراب في سير العمل، خصوصًا مع اقتراب فترة الامتحانات. فالتعليم، بطبيعته، مجال يتطلب استمرارية في التدبير، وأي تغيير فجائي دون تحضير بدائل جاهزة يهدد استقرار المنظومة أكثر مما يخدمها.
لكن الأهم من التوقيت هو غياب معايير واضحة للتقييم. فهل تمت هذه الإعفاءات بناءً على تقارير أداء دقيقة؟ أم أنها مجرد قرارات إدارية تفتقر إلى أساس علمي؟ في الأنظمة التربوية الناجحة، يتم اتخاذ مثل هذه القرارات استنادًا إلى مؤشرات أداء ملموسة، تشمل القدرة على تحسين نسب النجاح، وتطوير بيئة التعلم، وإدارة الموارد بفعالية. أما اتخاذ قرارات مصيرية دون توضيح معاييرها، فإنه يخلق انطباعًا بأن الأمر لا يتعلق بالإصلاح بقدر ما هو مجرد تصفية حسابات أو إعادة ترتيب إداري لأسباب غير واضحة.
إذا كان الهدف هو إصلاح التعليم، فإن المنهجية التي يتم اتباعها يجب أن تكون عقلانية ومستندة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى. فأي إصلاح حقيقي ينبغي أن يعتمد على تقييم علمي للأداء، يحدد بوضوح مواطن الخلل، ويضع خططًا لتصحيحها دون المساس بالاستقرار المؤسساتي.
كما أن نجاح أي تغيير في التدبير الإداري لا يتحقق إلا بضمان استمرارية العمل داخل المؤسسات التربوية، فلا يمكن لأي منظومة أن تتطور وسط حالة من الاضطراب الإداري.
لكن الإصلاح لا يقتصر فقط على التقييم والاستقرار، بل يتطلب أيضًا اعتماد نهج تشاركي يشمل كافة الفاعلين التربويين، من أساتذة وإداريين وخبراء، لضمان أن يكون أي تغيير مستندًا إلى توافق واسع وليس مجرد قرار فوقي. كما أن التركيز على التكوين والتأهيل بدل الإقصاء يظل ضرورة ملحة، فمن الأفضل العمل على تطوير كفاءة المسؤولين عوض اللجوء إلى الحلول العقابية التي قد تفرغ المنظومة من الكفاءات بدل تحسين أدائها.
الإصلاح التربوي ليس مجرد عملية إدارية لتغيير الأسماء في المناصب، بل هو رؤية شاملة تتطلب تخطيطًا عميقًا، ومشاركة جميع الفاعلين، واحترام استقرار المؤسسات التعليمية. إن اتخاذ قرارات فجائية دون توفير بدائل جاهزة، ودون تقديم مبررات علمية، لا يعكس رغبة حقيقية في الإصلاح بقدر ما يكرّس الارتجالية والعشوائية. فالتعليم ليس ساحة لتصفية الحسابات أو فرض الهيمنة السياسية، بل هو دعامة أساسية لبناء مجتمع متوازن ومستقبل مستدام.