الألباب المغربية/ أحمد زعيم
في قلب جهة بني ملال- خنيفرة، يتموقع إقليم الفقيه بن صالح كرقعة جغرافية غنية بالموارد الطبيعية والطاقات البشرية. أرضٌ فلاحية خصبة، فرشة مائية وفيرة، وجالية نشيطة بالخارج تُساهم بشكل ملحوظ في دعم اقتصاد الإقليم من خلال التحويلات المالية التي أصبحت بمثابة شريان حياة لأسر كثيرة. لكن المفارقة الصادمة أن هذا الإقليم، رغم ما يزخر به من مؤهلات، يعاني من اختلالات بنيوية عميقة وفقر تنموي مزمن.
- اقتصاد هش وتبعية مقلقة للجالية
تحوّلت تحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى العمود الفقري لاقتصاد الإقليم، في غياب استثمار حقيقي في قطاعات إنتاجية قادرة على خلق الثروة وفرص الشغل. فأغلب الأسر باتت تعتمد على هذه التحويلات لتغطية أبسط المصاريف، كفواتير الماء والكهرباء، بل حتى فواتير مياه الري رغم انقطاعها المتكرر بسبب توجيهها نحو مشاريع صناعية أو الحفاظ عليها في السدود لأغراض غير فلاحية.
- تراجع القطاع الفلاحي وغياب البنية التحتية
توالي سنوات الجفاف، وتدهور القطاع الفلاحي نتيجة الإجهاد المائي وندرة الدعم العمومي، ساهم في تزايد معدلات البطالة والفقر، خصوصًا بعد تداعيات جائحة “كورونا”. ومما زاد الوضع تأزيمًا، غياب بنية تحتية مؤهلة، فلا وجود لمناطق صناعية كبرى، ولا مراكز استشفائية متقدمة، ولا فضاءات ثقافية أو رياضية كافية، كما يظل غياب معاهد التكوين والكليات من أبرز المعيقات التي تدفع الشباب نحو خيار الهجرة، ولو عبر “قوارب الموت”.
- قطاع صحي مهترئ وأبواب المستشفيات مغلقة
القطاع الصحي بدوره يعيش أزمة حقيقية. المستشفى الوحيد بالإقليم عاجز عن تلبية حاجيات السكان، في حين لا يزال المستشفى الإقليمي الجديد، الذي شُيّد منذ سنوات، مغلقًا أمام المرضى. ونتيجة لذلك، تُشكل مدينة بني ملال والمصحات الخاصة وجهة إجبارية للباحثين عن العلاج، رغم التكاليف الباهظة التي لا يقدر عليها الجميع. كما تحوّلت المختبرات الخاصة بدورها إلى أماكن مكتظة بالمرضى، وسط غياب الخدمات العمومية ذات الجودة.
- تفويت الملك العام… واستنزاف الثروة المائية
في السنوات الأخيرة، عرفت المدينة موجة متسارعة من تفويت أراضي الجموع والملك العام لصالح شركات ومقاولات نافذة وأباطرة العقار، في ظل غياب رقابة حقيقية. مشاريع زراعية وضيعـات كبرى تُستنزف فيها الثروة المائية دون مراعاة للوضع البيئي أو لحقوق الساكنة في التوزيع العادل للمياه. وهو ما يُفاقم أزمة العطش في عدة دواوير، ما زالت إلى اليوم تفتقر لأبسط شروط الحياة الكريمة.
- الفساد السياسي والانتخابي… واستغلال النفوذ
الفساد السياسي كان له نصيب وافر في تعثر التنمية بالإقليم. اعتقال رئيس المجلس البلدي والوزير السابق محمد مبدع على خلفية قضايا فساد مالي وإداري، أثار جدلاً واسعًا، حيث تطالب هيئات حقوقية ومدنية باسترجاع الأموال المختلسة ومحاسبة كافة المتورطين. لكن رغم ذلك، لا تزال الممارسات نفسها تتكرر، خصوصًا مع اقتراب كل استحقاق انتخابي.
- حملات انتخابية موسمية وتكرار نفس الوجوه
مع اقتراب كل حملة انتخابية، تنطلق التحركات “الروتينية”: توزيع القفف، تنظيم المهرجانات، تعبيد بعض الطرقات، تنظيف الشوارع، وترقيع بعض المشاريع المتوقفة. وكلها أوراش ظرفية تنتهي بانتهاء الحملة. المواطن يُوضع بين خيارين: إعادة انتخاب الوجوه القديمة لإنهاء ما بدأوه، أو اختيار وجوه جديدة ومواجهة توقف الأشغال.
- العزوف الانتخابي… شرعنة غير مباشرة للفساد
تتعمق الأزمة أكثر حين تقاطع الفئة المثقفة والشباب الانتخابات، ما يمنح شرعية غير مباشرة لمنتخبين غير مؤهلين فكريًا وسياسيًا، تزكيهم الأحزاب لأسباب غير واضحة. كما تُستعمل بعض الجمعيات الموالية، المستفيدة من الدعم العمومي، في استمالة الناخبين، إلى جانب سماسرة الانتخابات الذين يحولون أصوات المواطنين إلى سلعة تُباع وتشترى.
فهل من أمل في التغيير؟ أمام هذا الواقع، تُطرح عدة تساؤلات محورية:
هل ستُعيد الأحزاب النظر في طريقة اختيار مرشحيها ؟
هل سيكسر المواطن صمته ويشارك بوعي في الاستحقاقات القادمة ؟
هل سنشهد تصويتًا على الكفاءة بدل القبيلة والقرابة؟
وهل نُعيد للانتخابات معناها الحقيقي كأداة ديمقراطية لبناء المستقبل، أم نُعيد إنتاج الفشل مرة أخرى ؟
يبقى الجواب رهن يقظة المواطن، ونزاهة الفاعلين، واستقلالية القرار الحزبي، وإرادة سياسية حقيقية تضع مصلحة الإقليم فوق كل اعتبار.