الألباب المغربية/ أحمد زعيم
أشرف الولاة والعمال بربوع المملكة بمناسبة الاحتفال بتخليد ذكرى 25 لعيد العرش المجيد على تدشين وإطلاق مشاريع تنموية، كالمرافق العمومية والطرقات، وربط الصرف الصحي والتزويد بالماء الصالح للشرب، وغيرها بمختلف الأقاليم والجماعات الترابية، والقرى والدواوير…، وحضور لأنشطة ثقافية ورياضية…، مرفوقين برؤساء المجالس الجهوية والإقليمية والترابية، والمنتخبين والجهات الأمنية..، علما أن مشاريع تنموية عرفت البداية والإحتفال بالتدشين وإعطاء انطلاقة الأشغال، ولم تعرف النهاية بمجموعة من الأقاليم، ومن بينهم إقليم الفقيه بن صالح التابع لجهة بني ملال خنيفرة، ومنذ سنوات لازالت مشاريع وهمية ومتعثرة تراوح مكانها بعدما التهمت ملايير الدراهم من المال العام، واثقلت كاهل الميزانية بالديون، والتي انتظرتها الساكنة لسنوات لتغير من ملامح المدينة، وتجعل منها رافعة الإقليم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا… بسبب الفساد المالي والإداري وسوء التدبير والتسيير…
أكيد مرورا عبر طرقات الأقاليم والجماعات… قد تتضح الحالة الكارثية التي آلت إليها الأوضاع، وخصوصا الفلاحة والفلاحين بالمنطقة، بسبب توالي سنوات الجفاف، والتغيرات المناخية، وسوء إدارة أزمة المياه في البلاد، و شبح العطش الذي أصبح يهدد مجموعة من الدواوير القرى…
أكيد سيصادف الولاة والعمال والوفود المرافقة لهم الأراضي القاحلة الجرداء والأشجار الميتة، وأخرى في لحظاتها الأخيرة، أما المواشي فأصبحت ناذرة، وإن صادفوها بجانب الطرقات المؤدية للمناطق المبرمجة في الزيارات والتدشينات، والتي تم تنظيف جنباتها قليلا وصباغة بعض الأرصفة…، قد يرون بعض الحيوانات الهزيلة، بسبب قلة الكلأ مما أدى إلى ارتفاع اسعار اللحوم، ومنتوجات الحليب..، لكن سيلمحون بعض الضيعات الفلاحية الكبرى التي تبدو خضراء، نتيجة استفادة أصحابها من المخطط الأخضر والقروض والتسهيلات، والترخيص في حفر الآبار العميقة المرخصة والغير مرخصة وبناء الأحواض، واستنزاف ما تبقى من الفرشة المائية الجوفية والسطحية، علما أن منسوب المياه الجوفية انخفض بشكل كبير بسبب الاستغلال المكثف للآبار والأثقاب ليلا ونهارا الذي يؤثر سلبا على جودة المياه حسب الدراسات والأبحاث الأخيرة المنجزة.
والطامة الكبرى أن الوحدات الصناعية والشركات المكلفة بتوزيع الماء، والمجالس الترابية والإقليمية والجهوية تستمر في نهج استنزاف ما تبقى من الطبقة السفلى من الفرشة المائية بحفر الأثقاب والآبار الاستكشافية لتزويد الساكنة بالماء الشروب: (أغلبية جداول أعمال المجالس الترابية أدرجت نقطة الدراسة والمصادقة على حفر أو ثقب مائي وبناء خزان..).
للإشارة، وحسب تصريحات بعض الفلاحين الصغار، أن من بين اللوبيات المستغلة للثورة المائية: سياسيون ومنتخبون يمثلون المواطنات والمواطنين والفلاحين الصغار للدفاع عن حقوقهم في الماء الصالح للشرب وتزويدهم بمياه السقي.
وقد فقد أغلب الفلاحين الصغار رفقة عائلاتهم كل ما يملكون، وأصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة انقطاع مياه السقي، واستنزاف ما تبقى من الفرشة المائية بحفر الآبار واستغلالها لسقي الضيعات الكبرى، أو تحويلها للوحدات الصناعية…
وحول استنزاف الفرشة المائية وتداعياتها نشرت إحدى القنوات الإعلامية تقريرا مفصلا، وبالموازاة مع وقوع الكارثة الصحية بالمستشفى الجهوي ببني ملال عن دراسة نشرتها دورية (ساينتفيك ريبورتز) يوم 4 يوليوز 2024 تفيد “العثور على بكتيريا السالمونيلا المقاومة للمضادات الحيوية في المياه الجوفية بمنطقة سهل تادلة بالمغرب”، التابع لجهة بني ملال خنيفرة، وكيف تسللت إلى هناك…؟ جاء في بعض فقراته: “وجد الفريق البحثي المصري المغربي المشترك الذي أعد الدراسة، أن الأنواع التي تم عزلها من المياه كانت مقاومة للمضادات الحيوية).
وقال أحد الباحثين الرئيسيين بالدراسة في تصريحات هاتفية، الدكتور غريب الصياد إنه “سيتم لاحقا إجراء دراسة على عينات من المياه الجوفية ستجمع من عدة مناطق بمصر، وبالاشتراك مع الفريق البحثي المغربي، لإكتشاف ما إذا كانت نفس المشكلة متكررة أم لا”.
وأضاف: “أن خطورة العثور على تلك البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في المياه الجوفية، هو أنها يمكن تنتقل إلى البشر مجددا، إذا تناولوا لحوم حيوان استخدم تلك المياه، أو تم استخدام تلك المياه في ريّ محاصيل زراعية تناولها البشر لاحقا.
وتسبب سلالات السالمونيلا، التهاب المعدة والأمعاء، والذي عادة ما يكون خفيفا ولا يحتاج إلى علاج، ولكنه يمكن أن يكون مُميتا عند الأطفال حديثي الولادة والأطفال الصغار وأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، لذلك فإن العثور على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في عينات المياه الجوفية، هو أمر مثير للقلق…
وعن كيفية تسلل هذه الأنواع البكتيرية بما فيها السالمونيلا إلى طبقات المياه الجوفية، يوضح الصياد، أن الأنشطة الزراعية والحضرية والصناعية ساهمت جميعها في التلوث البكتريولوجي المحتمل لإمدادات المياه الجوفية في العقود الأخيرة، على مستوى العالم….).
فأين سياسة الإجهاد المائي؟
وأين هو البرنامج التنموي الجديد؟
أين السدود الأحواض المائية لتحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه العادمة…؟
وإذا كان اللجوء للآبار والأثقاب أمر حتمي لإنقاذ السكان من شبح العطش؛ فلماذا لا تنشر تحاليل مياه الآبار الاستكشافية لمعرفة مكوناتها.. وكيف تتم عملية؟
وهل تتوفر الجماعات الترابية والشركات المكلفة بتوزيع الماء على محطات لعلاج المياه الجوفية؟ علما أن المياه الجوفية غير صالحة للشرب وتشكل تهديدا على صحة الإنسان.
من المسؤول عن حماية الموارد المائية الجوفية وطرق استغلالها ومعالجتها وتوزيعها ؟
فهل ستلتقط الحكومة والمؤسسات المعنية.. الرسائل وتتفاعل مع التعليمات والتوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطابي الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد بخصوص تنزيل المشاريع الكبرى التي يقودها ملك البلاد لمواجهة معضلة تحديات الماء، واستنزاف الفرشة المائية… دون تأخير؟