الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
رغم محاولات عزيز أخنوش طمأنة الرأي العام بنفي وجود أي خلافات داخل الحكومة، فإن قراءة المشهد السياسي تكشف بوضوح عن أزمة مكتومة بدأت تتسرب ملامحها إلى العلن. هذه التوترات ليست مجرد خلافات عابرة بل تعكس مشكلات أعمق مرتبطة بطبيعة التحالف الحاكم وتوازن القوى داخله.
ما جرى خلال جلسة المساءلة الشهرية الأخيرة بمجلس النواب لا يمكن اعتباره مجرد حادثة بروتوكولية، بل هو تجسيد لمناخ سياسي ينذر بتفاقم التوترات. جلوس وزراء حزب الاستقلال بشكل منفصل عن باقي أعضاء الحكومة ليس مجرد صدفة، بل رسالة سياسية تحمل في طياتها إشارات قوية على رغبة الحزب في التأكيد على استقلاليته داخل الأغلبية، وربما التعبير عن تذمر داخلي من طريقة إدارة الحكومة للملفات الكبرى.
هذه المشاهد ليست بمعزل عن السياق السياسي الأوسع. منذ تشكيل هذه الحكومة، برزت تحديات تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية وتأثير ذلك على توازن القوى داخل التحالف. حزب الاستقلال، الذي يمتلك قاعدة شعبية قوية وتاريخًا طويلاً في الحياة السياسية المغربية، يبدو غير راضٍ عن موقعه الحالي داخل الأغلبية، وهو ما يدفعه للبحث عن مساحة للتعبير عن هويته السياسية المستقلة.
في هذا السياق، تأتي تصريحات عبد الله بووانو، الذي لم يكتف بالملاحظة العفوية حول “التجمع العائلي” لوزراء الاستقلال، بل استغل الموقف لإيصال رسالة سياسية مفادها أن هناك شرخًا داخل الحكومة يمكن للمعارضة توظيفه لصالحها. هذا النوع من التفاعلات يعكس إدراكًا لدى المعارضة بأن الأغلبية تعاني من تصدعات يمكن استغلالها لتكثيف الضغوط عليها.
التباين في مواقع الجلوس داخل المجلس ليس إلا واجهة لمشكلة أعمق تتمثل في ضعف التنسيق بين الوزراء. فشل وزير سيادي في الحصول على إجابات واضحة من وزراء حزب الاستقلال يعكس غياب روح الفريق داخل الحكومة، وهو مؤشر خطير على تراجع الثقة بين مكوناتها. هذا النوع من الانفصال لا يضر فقط بفعالية الحكومة، بل يجعلها هدفًا سهلًا لهجمات المعارضة.
أسباب هذا التوتر متعددة؛ أبرزها الخلافات حول الأولويات السياسية والاقتصادية. في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اجتماعية واقتصادية متفاقمة، تجد الحكومة نفسها مطالبة باتخاذ قرارات صعبة. بينما يميل حزب الاستقلال إلى تبني سياسات اجتماعية أكثر توازنًا لحماية قواعده الانتخابية، يبدو أن شركاءه في الحكومة يركزون بشكل أكبر على استراتيجيات اقتصادية قد لا تحقق نتائج فورية.
الاستعداد المبكر للاستحقاقات الانتخابية المقبلة يلقي بظلاله أيضًا على تماسك التحالف الحكومي. كل حزب يسعى إلى تعزيز موقعه الانتخابي وتقديم نفسه كفاعل مستقل وقوي، وهو ما يدفعه إلى اتخاذ مواقف قد لا تتوافق مع رؤية شركائه. هذه الحسابات الانتخابية تضع الحكومة في مأزق مزدوج: الحاجة إلى الحفاظ على تماسكها من جهة، ومواجهة انتقادات المعارضة من جهة أخرى.
إعلان نزار بركة عن اجتماع مرتقب للأغلبية يعكس إدراكًا داخليًا لخطورة الوضع. هذا الاجتماع سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على معالجة خلافاتها وإعادة بناء الثقة بين مكوناتها. لكن نجاح هذا المسعى ليس مضمونًا؛ إذ أن استمرار الخلافات قد يؤدي إلى تصعيد داخلي يصل حد الانشقاق.
إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جادة لحل هذه الأزمة، فإن السيناريوهات المستقبلية قد تكون مقلقة. تفكك التحالف الحكومي أو انسحاب أحد مكوناته سيضع البلاد أمام أزمة سياسية جديدة، وسيمنح المعارضة فرصة ذهبية لتقويض شرعية الحكومة والدفع نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي.
في المشهد السياسي المغربي، الأزمات الصامتة نادرًا ما تبقى في الظل؛ إما تُعالج بحكمة عبر الحوار البناء وتقديم تنازلات متبادلة، أو تتحول إلى صراعات علنية تضعف الثقة في المؤسسات وتعرقل عمل الحكومة. قدرة الأغلبية على تجاوز هذه المرحلة الحرجة ستحدد مستقبل التحالف ومدى قدرته على مواجهة التحديات المقبلة.