الألباب المغربية/ أسامة البحري *
المحاور :
- إميل دوركهايم وتعريف المجتمع
- المدرسة والإدماج الإجتماعي
- الأسباب الإجتماعية للإنتحار
- سيرج بوغام -الأنوميا والعمل الإجتماعي من الرابط الإجتماعي إلى الإرتباط الإجتماعي
تقديم :
تعالج هذه الورقة التوجه الوظيفي لتفسير المجتمع ونذكر هنا عالم الإجتماع الفرنسي إميل دوركهايم الذي يعود له الفضل في التفرقة بين الأسباب الإجتماعية والاسباب النفسية للمرض،وتأخذنا مفاهيم الورقة بعيدا عن علم الإجتماع إلى حقول أخرى ، من بينها العمل الإجتماعي ،فهذا الأخير هو مجموعة من العمليات الموجهة للافراد قصد تلبية حاجياتهم ولتعزيز رفاهيته من خلال العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتعامل مع اساليب الفقر والقضاء عليه ،وهو أداء مناط بماهو إداري حكومي او غير حكومي ، وهو ايضا محاولة ممنهجة ومضبوطة بآليات ووسائل محددة ،ويرتبط هذا التفسير بآليات التدخل وديونتولوجيا العمل الإجتماعي ، لكن إن عرفنا العمل الإجتماعي كونه آليات تدخل سيبقى قاصرا في سياقه النظري لأن العمل الإجتماعي هو معرفة من جهة وآليات تدخل من جهة أخرى ،فصحيح أن العامل الإجتماعي يستند على قوانينوعلى معرفته بمؤسسات أخرى وعلى علاقته بالجهات المعنية أثناء تدخله لكن كل هذا ينطوي تحت مفهوم نظري مهم وهو الإدماج الإجتماعي ،فإدماج الفرد في مجتمعه هو ليس عملية تستند على ماهو سيكولوجي ولا على تقديم خدمة تطوعية وهو ايضا ليس تقنيات مواكبة وتدخل فقط ، بل هي عملية تستدعي معرفة اهمية المجتمع بالنسبة للفرد والقدرة على أجرأتها من جهة اخرى ،في علاقتها طبعا مع ديونتلوجيا العمل الإجتماعي او اخلاقياتهذه المهنة
فالمجتمع اليوم يعرف تفككاللروابط الإجتماعية وتنامي الفردانية ويتطلب بناء الهوية في المجتمعات الحديثة الانخراط في مجموع الروابط الاجتماعية التي يقسمها سيرج بوغام على سبيل المثال إلى اربعة : اولا : رابط القرابة الذي يربط الأبناء مع الآباء ، ثانيا الرابط التشاركي وهو المرتبط بالأصدقاء ثالثا :رابط التشارك العضوي وهو المرتبط بالعمل بحيث أن الفرد اليوم هو مطالب بالإشتغال في وظيفة معينة لتقسيم العمل الإجتماعي ،رابعا : رابط المواطنة وهو الذي يربط الافراد في نظام سياسي معين لهقيمه الأخلاقية والاجتماعية الخاصة به ، ويرى سيرج بوغام متفقا مع أطروحة إميل دوركهايم لتقسيم العمل الإجتماعي ، انه كلما ضعفت هذه الروابط يختل توازن الفرد الإجتماعي ويقل إندماجه وهو ما يسفر عن ذلك اختلالا في التوازن النفسي والاجتماعي للفرد ،واختلال التوازن هذا سببه إجتماعي وليس نفسي وهو ما جعل من العديد من الأطروحات بفرنسا ككتاب “غوفمان والعمل الإجتماعي لستيفاني غامو ” “علم الإجتماع في خدمة العمل الإجتماعي لباطريك ديباشو ” “السوسيولوجيا والفهم للعمل الإجتماعي لجون ديتراني ” ..يثيرون مسالة الموضوع في العمل الإجتماعي بحيث أن كل تدخل علمي يجب أن يحدد موضوعه ، وتعتبر هذه الأطاريح ان موضوع العمل الإجتماعي هو التدخل الإجتماعي وليس النفسي ، وبذلك فإن موضوع الإجتماعي يتطلب دراية بمعرفة ما المجتمع ؟ مابنياته ؟ ما الرابط بين الفرد والمجتمع ؟ ما وظائف الفرد في المجتمع ؟ وما الذي يقع للفرد حين تختل روابطه مع المجتمع ، وسنبسط إجابتنا على هذه الأسئلة في اربعة محاور أولهما : تعريف دوركهايم للمجتمع ، ثم تصور دوركهايم لأدوار للمدرسة ثم أطروحة دوركهايم حول الإنتحار واخيرا تصور سيرج بوغام لمسالة التدخل بالعمل الإجتماعي على ضوء اطروحته حول الإرتباط الإجتماعي .
- إميل دوركهايم وتعريف المجتمع :
يعتبرعالم الإجتماع الفرنسي إميل دوركهايم أحد المؤسسين للمنهج السوسيولوجي ، فقد حاول في كتابه “قواعد المنهج في علم الإجتماع” الفصل بين السوسيولوجيا والفلسفة الإجتماعية مركزا بذلك على الجانب العلميفي التفسير السوسيولوجي ،ومن بين القواعد التي أسس لها دوركهايم في علم الإجتماع وهي دراسة الظاهرة الإجتماعية كشيء ،وقد بين لنا من خلالها الإطار الإبستيمولوجي لهذا العلم وكذلك خصائص الظاهرة الإجتماعية التي تتميز بشيء لا يمكن للفاعل الإجتماعي رؤيته او التفكير فيه لأنه يوجد داخل الوعي المجرد للإنسان ، ولم يقف دوركهايم هنا بل نجده قد اصدر أعمالا تطبيقية ككتاب “الإنتحار” الذي اعتبر فيه ان هذه الظاهرة ليس لها دافع سيكولوجي فقط بل هناك اسباب أكبر من المستوى الفردي وهو الجانب الإجتماعي ،مضيفا بذلك في حقل العلوم الإنسانية تفسيرا علميا جديدا وهو تفسير الإجتماعي بما هو إجتماعي ،اي اعتبار أنالمشاكل التي يواجهها الافراد داخل المجتمع هي لا ترتبط بالمستوى النفسي فقط ،بل هناك مستوى آخر يؤدي إلى بروز “الفقر / الإنتحار /الهشاشة / الجريمة /الهدر المدرسي “وي وهو مدى اندماجه في الجماعة أو عدمه .
ويعتبر إميل دوركهايم أحد العلماء الصارمين في تحديد موضوعهففي دراسته للإنتحار نجده قد حلل هذه الظاهرة من خلال قواعد المنهج التي اسس لها وهي تعريف المجتمع والتطرق لأهميته بالنسبة للفرد ثم دراسة الظاهرة كشيء “الحياد”واعتمادالإحصائيات لتكميم الظاهرة ،وهي ليست ادوات تحليلية فقط بل هناك من اعتبرها هوية للباحث او الدارس او الموجه ، وهذا ما يجعلنا نعتبر أن الملامح الابستيمولوجية للعمل الإجتماعي قد ظهرت مع دوركهايم خاصة حينما اسس لمقاربة وجود امراض إجتماعية بسبب الإندماج المطلق أو عدمه،زد على ذلك وضعه لتقنيات التعامل مع الظواهر الإجتماعية “الموضوعية / اعتماد الإحصائيات ” ،وهو إطار نظري مهم للعاملين الإجتماعيين ، بحيث ان مهمتهم وفق هذا الإطار الابستيميه تغذوا مرتبطة بالإدماج الإجتماعي وليس تقديم حلول نفسية أو خدمات إجتماعية ،وهو ما يفرض عليهم التكوين المعرفي اي معرفة “معنى المجتمع /أهميته بالنسبة للفرد / وظائفه / آليات اشتغاله ” .
وسنأخذ موضوعين اهتم بهما اميل دوركعايم لتبيان تصوره ومن بينهما المدرسة وظاهرتي الإنتحار والجريمة، فيعتبر المجال المدرسي حسبه محصلة لنظريته حول المجتمع، وهنا نستحضر أهمية فهم العامل الإجتماعي لمعنى المجتمع لأن أولويتهكما قال ستيفن ريلاك في عمله “علمية العمل الإجتماعي” هي معرفة الفراغات التي يعاني منها الفرد داخل المجال الإجتماعي ،وهذا يقتضي منه التكوين المعرفي الجيد.
ويعتبر دوركهايم أحد أهم علماء الإجتماع الذين أسسو لفكرة أهمية المجتمع بالنسبة للفرد من جهة ومشاكله حينما تنفك عراه معهمن جهة اخرى ،بحيث أن الفرد حسبه لايولد كائنا إجتماعيا بل يمر من مراحل التنشئة الإجتماعية ليصبح كذلك ،وهو ما يجعله جزءا من الجماعة التي ينتمي لها ،فالفرد حسب دوركهايم يتسع نشاطه الخلقي كلما ازداد سنه في جماعته ويرسم هذا النشاط الخلقي حدود السلوك الفردي ويحدد له أدواره في المجتمع (تقسيم العمل الإجتماعي).
ويعتبرها في هذا السياق بيار بورديو “منطق لعب” بحيث ان الفرد داخل جماعته هو يشبه اللاعب ،فلكي يلعب جيدا يجب ان يتعلم قواعد اللعبة ،وهي التي تمسى في اطرح الدروكهايمي بالأخلاق ، فهي قواعد إجتماعية يتطبع بها الفرد وتتملكه فيصبح بذلك جزءا من المجتمع ، وتتمظهرهذه الأخلاق في “اللباس /اللغة /أمنيات الفرد /الذوق”.
وسيشبه دوركهايم المجتمع بالمثل الأعلى للفرد فهو يخضع له بكونه ذلك الكائن الخارجي عنه والذي يتملكه ،فداخل كل فرد بالمجتمع ضمير أخلاقي ناتج عن الوعي الجمعي الذي هو المجتمع ،فتفكير الإنسان في أخلاقه وكيف تكونت هي شبه مستحيل لأنها جزء منه وعبرها يتفاعل مع الآخرين ويحضى بالإعتراف الإجتماعي ،وتحدد هذه الأخلاق دائرة السلوك الفردية بحيث أنها تحدد ما يجب أن يكون وما لا يجب أن يكون ،والخروج عن هذه القواعد يقابل بالقهرية وهي مقاومة حسب دوركهايم تقوم بها مجموع الأخلاق المنقوشة داخل الفرد أمام السلوكات التي تخالف النظام العام.
ويعتبر دوركهايم الفرد الأناني هو الذي يتمرد على الإجتماعي والذي يقطع مع روابطه التي تجمعه مع المجتمع ،وهو ما يجعله حسبه عرضة للانهيار وذلك لكون أن القطع مع المجتمع يعني القطع مع الضمير الأخلاقي وهو الذي يقاوم السلوكات التي تخالف قواعد المجتمع ،كما أن دوركهام علاوة على ماسبق يعتبر ان القاعدة العامة للمجتمع خيرة لأنها تسلك صوب سلوك جمعي سابق على وجود الفرد تفسه وهي اتفاق جمعي وتنظيم جمعي حولما يصح ان يكون ،وهنا يربط دوركهايم بين الأمراض الإجتماعية وعدم الإندماج.
فالإنسان حسب دوركهايم هو من الناحية المادية جزء من الكون ،لكن من الناحية المعنوية هو جزء من المجتمع ، وإن حاول تجاوز الحدود التي تفرض عليه من النظام العام فهو يتناقض مع طبيعته والتي يلخصها في كونه كائن إجتماعي ، فغاية المجتمع حسبه هو أن يحول سلوكاتنا من سلوكات عشوائية إلى أفعال أخلاقية او أفعالغير شخصية.
فالافعال الأخلاقية هي علاقات بين ضمائر مجتمعية تتخد من المجتمع ومن النظام العام هدفا ، فمجال الأخلاق حسبه يبدأ حينما يبدأ المجال الإجتماعي الذي يتكون من ضمير أخلاقي يخترق جميع أفراده ،وهو كائن جمعي من بين صفاته انه لايموت عكس الفرد المهدد بالمرض والموت ،فهو سابق على الافراد وهو المؤطر لهم ،فنحن كائنات أخلاقية بقدرما نحن كائنات إجتماعية ، ولا يكتمل وجودنا إلا بتعلقنا بالمجتمع ، ويضرب دوركهايم هنا مثالا بالإكتئاب والإنتحار ،فكلما ضعفت القواعد الأخلااقية التي تعبر عن سلطة تنظم السلوك الفردي الذي تقوده الرغبات والشهوات ،يسقط في عدم الإندماج الذي يشعرهبالإبتعاد عن الإطار العام وهو شعور فردي بعدم الإرتياح ،وحتى جانب تقسيم العمل الإجتماعي ففي جانب الوظيفة حينما لا يندمج الفرد في سوق الشغل فانه يختلجه شعور عدم الإندماج ،ويفسر دوركهايم هذا بانه بعيد عن المرضالسيكولوجي لأنه خلل إجتماعي ،فالفرد هنا لايوجد داخل الإطار العام الوظيفي للمجتمع ، ويرى في هذا الصدد أن الفرد يزداد تعرضه للإنتحار كلما انفصلت عراه التي تربطه بالمجتمع ووظائفه ، ولذك فإن حرص المرء على حياته هو رهين باندماجه أو عدمه ، فالمجتمع يتحاوز الفرد ويطغى عليه ويتغلغل في جميع النواحي الفردية للإنسان فهو حسب تعبير دوركهايم خارجي عنا لكنه فينا ، والإنفصال عن المجتمع يعني الانفصال عن ذاتنا.
لكنه يعتبر أن هناك ايضا شيء سلبي ،يجمعنا بالمجتمع وهو حينما نخضع للطاعة السلبية ،وهي القبول بالقواعد الأخلاقية دون علم بسببها ، فحينما تحدث دوركهايم عن أهمية الأخلاق وعلاقتها بالمجتمع ،فهو تحدث عن أهمية الميكانيزمات الإجتماعية التي تتكون منها الطبيعة الإجتماعيةللمجتمع ، وهي ظاهرة كونية اي انها عجلة تستدير داخل كل المجتمعات والتي يجب الإستفادة منها ، وهنا اعتبر دوركهايم ان الأخلاق بكونها ذلك المحتوى الذي يوضع في مكيانزيمات المجتمع هي ليست طبيعية بل هي من صنع الإنسان وليس من صنع قوى غيبية ،ويرى في هذا الصدد أنه مادامت القوى الغيبية خارج عن العلم وأكبر منه فهي اكبر ايضا من العلم الذي ينتجه الإنسان و كذلك الثقافة التي تتمخض عبر التفاعل الإجتماعي ، فإذا كانت الأخلاق اذن صادرة عن القوى الغيبية لكانت أبعد عن متناول عقلنا ! .
فالأخلاق حسب دوركهايم هي صنع بشريونتاج التفاعل الاجتماعي ولذلك يجب ان نتدخل في توجيهها ،فالارتباط الوثيق حسبه بين الأخلاق والدين اضفى عليها طابع القداسة ،رغم انها من صنع التفاعل البشري ، وهنا يتحدث دوركهايم عن التأويلات البشرية وليس عن الدين ، فالروح الجميعة هي شيء متفق عليهبين افراد الجماعة عبر السنين ،لكن هذا لايعني حسبه اعتبار القديم هو المجتمع او الروح الأخلاقية ، فالأخلاق من صنعنا أما الروح المجتمعية هيتكوين المجتمع الذي يتجاوزنا ويسمو علينا ،أي ميكانيزماته الطبيعية ، فنحن نتفاعل معه عبر إجماعنا على أخلاق نصنعها عبر تفاعلنا وتكرارنا لها ، ويتفاعل معنا المجتمع من جهة اخرى عبر اختراقنا واختراق من يتبعنا عبر هاته الأخلاقالتي اتفقنا عليها ،لكنها غير ثابتة فالاجيال اللاحقة قادرة على إعادة الإجماع على نظام أخلاقي يواكب عصره ،فالمجتمع يكملنا ونكمله حينما نفهم ماهيته حسب دوركهايم،وحينما نفهم ماهو المجتمع نستطيع ان نخلق تضامنا إجتماعيا يسمو بالإنسان ،فالتضامن نتاج الإجماع العام على أخلاق تخدم الحماية الإجتماعيو ورعاية الفرد داخل المجتمع الذي هو اساس التفاعل واساس الرقي.
فيعتبر هذا الإطار النظري مهم لفهم دور المدرسة وظاهرة الإنتحار لدى دوركهايم من زاوية العمل الإجتماعي.
- المدرسة والإندماج الإجتماعي
انطلق دوركهايم في تناوله للمدرسة من اعتبار أن الطفل او التلميذفي المدرسة حينما يسأل فإنه يود ترتيب الأشياء والمشاعر التي يحسها ،فوظائف المجتمع يقوم بعضها على بعض وتؤثربعضها في بعض ، وبذلك فلا يمكن حسب دوركهايم أن تترك للأهواء الفردية [1]،بحيث أنه طيلة يومنا لايمكن ان نجد لحظة واحدة دون العمل لخدمة النظام الاجتماعي ، وإذا كان الإنتظام في الحياة وليد الحضارة وبناء فان هذا يفسر عدم وجوده عند الطفل أو التلميذ[2]، وبما أن روح الخضوع للنظام حسب دوركهايم يتضمن تهذيبا للشهوات وتحكما في النفس وادماجا إجتماعيا له مراحل ،فان هذه الصفة تعوز الطفل وكذلك من لايخضع للنظام الجمعي.
ويعتبر إميل دوركهايم أنه يجب أن نستعمل العادة في إصلاح عدم الاستقرار الذي قد يشعر به التلميذ ،ويقترح تعويد التلميذ بعادات منظمة في كل مايتصل بالشؤون الهامة من حياته[3] ،وعبر هذا تثبت حياته الشاردة الغير مستقرة ،زد على ذلك أنه يتعبران روح النظام العام الذي نحاول أن ندمج فيه التلاميذ هو ليس ميل الى الحياة المنظمة فقط بل هو يشمل تعويد النفس على التحكم في رغباتها داخل المجتمع [4] ، أي الشعور بحدود لايجب تعديها ،بل يجب اكثر من ذلك ان يضع التلميذ او الطفل في حسبانه أن هناك قوى أخلاقية خارجة عنه يجب ان يخضع إرادته لها لأنها سابقة على وجوده وهي نتاج اتفاق عام وهي سلوكات أخلاقية توجه سلوك التلميذ نحو سلوك جمعي معترف به قانونيا وأخلاقيا ،وأن القيام بعكس هذا يضع التلميذ او الطفل في تيار عكس تيار مجتمعه ، فغاية المدرسة حسب دوركهايم هو أن نبعث في التلاميذ شعور الميل للحياة المنظمة والتي تعني الخضوع للنظام الإجتماعي العام .
ويشير إميل دوركهايم إلى مسألة ان الأسرة اليوم تتكون من مجموعة صغيرة من الأفراد وعلاقتهم لاتخضع لأي نوع من التنظيم العام ، اما المدرسة حسبه فيمكن ان تكون نظاما أخلاقيا بالنسبة للتلميذ ، بحيث ان المجتمع المدرسي حسبه هو كالمجتمع العام [5]، والفصول غير المنظمة حسبه هي كالحشد ،وبلذلك فيجب أن ننتقل الى مسالة العقوبة والمكافأة في علاقتها بالإدماج الاجتماعي ، ويعرف دوركهايم العقوبة كونها ليستتعذيبا جسديا ،بل هي الوقوف أمام الخطا [6] ، بمعنى تاكيد سلطة القاعدة التي تجاوزها التلميذ او الطالب ، فالعقوبة داخل المدرسة أثناء تجاوز قاعدة اجتماعية ما هي ” إلا رمز او لغة يعبر بها الضمير العام في المجتمع[7]” ، ولايمكننا حسب دوركهايم تعلم كيف نسلك إلا عبر الوسط الخارجي ، الذي ينبهنا إلى الخطأ والصواب وذلك عبر رد الفعل الذي يقابل به نشاطنا
ويربط دوركهايم هنا بين العقوبة واللوم فمادام الطفل او التلميذ يتجاوز قاعدة إجتماعية ستسفر مستقبلا عن تفكك بعض روابطه مع المجتمع ، فاننا يجب أن نولد سلطة الواجب فيه في الوقت الذي يتحدى فيه هذا الواجب ،وهنا نلاحظ أن دوركهايم يربط بين القاعدة الاجتماعية والواجب ، وفي هذا الصدد يقول ” ان الواجب يقوم بتوكيد الشعورية في نفس المذنب وفي نفوس من شهدوا الخطأ ويخاف هو والشاهدون ان تسري فيهم عدواه ،وهو ما يجعله يعترف بالخطأ وتجعله يعتبرها ضارة ” ، كالإدمان ، الغياب ، التهاون ، الكسل ، العنف ..الخ ، ويجب حسبهمنع العقوبات الجسدية منعا باثا ، لأن آلية المنع داخلنا وقهريتها هي ليست مادية بل شعورية تتملكنا وتمنعنا من الخطأ ،ولذلك يجب ان تحاكي العقوبة المدرسية ميكانيزمات المبدأ القهري للقاعدة الاجتماعية داخلنا ، فهي تأتي من خلال الاعتراف الجمعي ثم احساسنا بخطورة تجاوزهاامام الآخرين وذلك عبر عموميتها وتكرارها داخل الفضاء العام .
علاوة على ذلك يقترح دوركهايم نظام المكافأة الذي يعني مقابلة التلاميذ الذين يطيعون القواعد الإجتماعية والأخلاقية بمكافءةاو جوائز او اي وسيلة للتقدير أمام الجميع ، وللتوسع في هذه الفكرة ينقلنا دوركهايم لفكرة الميول الأناني وهو الميول الذي يقود الفرد إلى لذته ،ثم الغيرية التي تتخذ موضوعا لها لذة كائن مغاير لفاعلها ، ويرى في هذا الصدد ان الأطفال بالمدرسة أوالتلاميذ همانانيونبحيث انهملم يتلقو قواعد تمنع انانيتهم هذه ، وعبر التربية يمكن أن تركب فيهم النوازع الغيرية ، وهنا يضرب دوركهايم مثالا بالسارق او المدمن على الخمر فهو يعلم جيدا ان فعله لا ينجم عنه الا الضرر والعذاب ومع ذلك لايكبح جماحه ،فالسكر والسرقة هي اللتان يجذبانهما فحينما يكون الميل للاشياء مرتبطا بصحتنا ،جسمنا ،ثروتنا او سمعتنا ومركزنا الإجتماعي وهو مرتبط بحب الحياة والمال والشرف ،فهذا مرتبط بالانانية ؛ اي انه ميول لايضع في حسبانه عاقبة لشيء فهو نشاط متهور ولايخضع للنظام والمصلحة العامة ،ثم هنالك ميول آخر غيري كالمكان الذي عشنا فيه او الاشياء المالوفة ، ثم الجماعات الإجتماعية كالاسرة والنقابة والوطن والانسانية ، فهي إذن لها وجودها الخاص المتميز عنا [8] وعن كل ما هو فردي فينا “الاناني”، ولا يمكن ان نتعلق بالمستوى الغيري الا ان خرجنا عن ذاتنا ، وعن تركيبتنا الخاصة فما يميز هاتين المسالتين حسب دوركهايم هو اختلاف النشاط فالأول هو مرضي أما الثاني فهو خارج الذات بحيث هو ذو قوة طاردة ومانعة للخطأ من خلال المجتمع[9].
فالشعور الغيري هو ملاحظ من الآخرين مما يجعله قهريا ومانعا لما يخالف الأخلاق المتعارف عليها ، وهنا يشير دوركهايم لضرورة إستحضار هذه القاعدة النظرية داخل المدرسة ،بحيث ان العامل الإجتماعي لايجب أن يتكل عى التفسير السيكولوجي فقط داخل المجال المدرسي في عملية الإدماج لأنها ستبعده عن موضوعه وسياق اشتغاله ، فمعرفتنا بميكانيزمات اشتغال المجتمع تجعلنا ندري التكوين الإجتماعي للإنسان ،بكونه كائنا اجتماعيا ، فالتلميذ داخل المدرسة يجب ان يعامل سلوكه الاناني بمنطق الإدماج الاجتماعي إلى المستوى الغيري ،عبر تقنية العقاب الإجتماعي الذي لايعني العنف بل على عكس من ذلك كما يقر دوركهايم بحيث يجب ان يستشعر التلميذ خطأه امام باقي التلاميذ وان يعترف بخطأه، وفي الآن ذاته يجب ان يحصل على مكافأة امام الجميع والتي تعني الاعتراف الإجتماعي والادماج،وتشبه هذه الميكانزيمات حسب الطرح الدوركهايم عملية التطبع الإجتماعي والإندماج في الجماعة ،فلكي نندمج يجب ان يعترف اهلنا وجيراننا واساتذتنا وسائق الحافلة بنشاطاتنا الإجتماعية ،وإلا سيشعرنا الآخرون باننا أجانب على مجالهم الإجتماعي.
- الأسباب الإجتماعية للإنتحار :
كما بينا في الفصل أعلاه فإن دوركهايم لم يكن يفكر لقواعد علم الإجتماع فقط ،بل كان ايضا يؤسس لإطار نظري لكل ما هو إجتماعي بعده في البحث العلمي او في المواكبة والتدخل ،فقد بين لنا أن للإجتماعي ميكانيزمات خاصة بهيصعب التعامل معهاإن لم يدرك الباحث أو المتدخل سياقها المعرفي ، ففي كتابه الإنتحار ” عرض لنا دوركهايم في الباب الاول : الأطاريح التي تناولت التفسير السيكولوجي للإنتحار ،أما في الباب الثاني فقد خصصه لنقد هذه الأطاريح ، بحيث عنونه بالاسباب الإجتماعية للإنتحار[10]
وتعتبر اهمية دوركهايم بابسيتيمولوجيا العمل الإجتماعي ،فيكونه استطاع تكميم ظتاهرة الإنتحارفي عمله “الإنتحار ” من هلال الاستعانة بالإحصائيات والمعطيات الرقمية والخرائط التي تغطي الظاهرة في مجموعة منالدول الأوربية ، وقد انطلق من قاعدة محورية وهي مقاربة الاجتماعي بما هو اجتماعي ،وهي قاعدة مهمة ايضا للعمل الإجتماعي، فصحطحيح انه يمكننا الاستعانة بما كتب تشريعيا وسيكولوجياحول الإعاقة وذوي الإحتياجات الخاصة ومرضى الصرع ،لكن يجب اعتبارها آليات تعمل تحت لواء الإدماج الإجتماعي ، وللإجتماعي كما بين دوركهايم ،موضوعهخاص به وإطار ابستيمولوجي إن خرجنا عنهسنسقط في تفسير آخر كالتفسير القانوني او السيكولوجي او الإقتصادي .
فقد صاغ اميل دوركهايم ثلاثة مفاهيم في اطروحته لتفسير الإنتحار ،اولا الإنتحار الأناني[11] : ويعني به تفكك الروابط الإجتماعية سواء العائلية أو الدينية او السياسية وهنا نعود لما تحدث عنه دوركهايم حول الأنانية فهي إلغاء للصوت الأخلاقي فينا والإنصياع للرغبات والملذات وهي التي تصل بالفرد إلى مستويات تدمره كفرد بالمجتمع “كالإدمان على الكحول ،أو السرقة ..الخ ” ، ويظهر هذا الإنتحارايضا حسب دوركهايم حينما يكون هنالك انتقال مجتمعي من قيم لقيم أخرى ، بحيث ان هذه الأخلاق الجديدة لاتستطيع ان تشعرالفرد بما أعطته إياه الثقافة السابقة ، فيمكن ان يكون هذا الإنتحار ايضا ذو اسباب جماعية حينما يكون الانتقال الاخلاقي من اخلاق لأخلاق جديدة تتهيأ اسبابها الإجتماعية ،وهي المرتبطة بالتغيرات القيمية التي تحدث والتي تقابل بمواجهة الفرد لصدمة معينة او اخفاق معين أو ضغط عصبي معين أو قلق مزمن ،مما يجعله يتراخى عن انخراطه في المجتمع ، وهو ما يؤدي به إلى قطع الروابط التي تجمعه مع الآخرين والتي تشعره بالأمان والإستقرار والقيمة والواجب
زد على ذلك نجد ايضا الإنتحار الغيري[12]: وهو المرتبط بالإندماج المبالغ فيه ،كانتحار رجل لانه اصبح عجوزا او انتحار زوجة لفقدان زوجها او انتحار الجنود عند موت زعيمهم ، فهو يقع حينما يكون الفرد مندمجا اندماجا قويا في جماعة معينة او في المجتمع ويحدث هذا في التجمعات الدينية المغلقة حسب دوركهايم ،وفي الثكنات العسكرية ايضا ، فالضغط الذي تزاوله هذه الجماعة حينما تزول ،تجعل الفرد المندمج لايستطيع ان يتحرك حركة واحدة بمفرده ،بحيث انه كان يتلقى الإعتراف من هذه الجماعة الذي يعطي لحياته معنى وهدف، زد على ذلك لدينا ايضا الانتحار الفوضوي : وهو لايعود للفقر والبؤس بحد ذاتهما بل هو نتاج ازمات بالنظام الجمعي مرتبطة بالجانب الإقتصادي بحيث ان الفرد سواء الفقير او الغني فانه يشعر بانفصاله عن المجتمعبسبب الفقر او الغنى ،بحيث ان الفقير يصبح تفكيره خارج المجتمع وكذلك الغنبيصبح تفكيره خارج الإجتماعي(نحيل الى كتاب الإستبعاد الإجتماعي لجون هيلز وجوليان لوغران ) وهما سببان يؤديان الى عدم الإندماج في التماسك والتضامن الإجتماعي بحيث أن الفقير يحسب نفسه مستبعدا وغير مرغوب فيه أما الغني فيحسب نفسه له كل المؤهلات المادية ليعيش فردانيا ، فالإنتحار إذن له دوافع خارجية قبل أن تكون فردية ، فمادام المجتمع هو الذي يصنع الإنسان فإنالدافع لانتحاره هي نتاج قوة جمعية يجب معرفتها واستحضارها وهنا نستحضر مقالة اميل دوركهايم حول الجريمة ظاهرة عادية ،فالجريمة ظاهرة عادية حسبه لأنها تقع حينما لايخضع الفرد لاخلاقه ولميوله الغيري ،بحيث ان هذه الأخيرة تشتغل كمانع لما هو اناني فينا مما يؤدي الى تفكك الروابط الاجتماعية مع الاخلاق والمجتمع وهو ما يؤدي الى الجريمة او الانتحار .
وحينما يكون الإنسان انانيا حسب دوركهايم فهو يصبح كريشة في الهواء واي شيء قادر على تدميره حتى من الأزمات الفردية البسيطة ، والجريمة مفيدة حسب دوركهايم لان المجتمع يطور من خلالها القوانين وكذلك الاخلاق الذي سيمنع بها هذه الجريمة من التكرار،وايضا الانتحار فقد تكون اسبابه ذو عوامل فوضوية او انانية او غيرية وهذا يجعلنا حسب دوركهايم ننتقل الى اشكالية ما العمل ؟ وما الدور الذي يجب ان يقوم به المجتمع لمنع هذا الانتحار او الجريمة ، وهنا يتساءل دوركهام على التعويل على المجتمع السياسي لحل مشكلة الانتحار ؟ ويجيب دوركهايم على أن هذه المشاكل الاجتماعية لها متخصصوها في الإجتماعي والعارفون بميكانيزماتها فلكل دوره ،فلايمكن للحداد ان يصبح نجارا ، وهنا ينتقل الى ماسماه بالجماعات الوظيفية او النقابات العمالية والوظيفية بالمجتمع ” وهنا نرى ان دوركهايم كان يدعو لنوع من العمل الإجتماعي لكن بتصور يتماشى مع زمنه ووقته .
- سيرج بوغام – الأنوميا والعمل الإجتماعي من الرابط الإجتماعي إلى الترابط الإجتماعي
من خلال ماسبق يتبين لنا أن للإجتماعي موضوعه ،وان مايختلج الافراد في المجتمع هو قبل ان يكون نفسيا هو ذو اسباب اجتماعية ،بحيث هناك قوى اكبر من الفرد، فنحن كما قال بيار بورديونوجد داخل المجتمع لكنه ايضا هو يوجد فينا ويتكلم من خلالنا.
وهنا ننتقل لمفهوم الأنوميا لدى دوركهايم وهو مفهوم تطرق له في كتابه السالف الذكر الإنتحار والذييعنيحالة القلق الفردية التي تنجم عن انهيار المعايير والقيم الإجتماعية ،وقد تطرقنا في المحور الاول لمفهوم المثل الاعلى عند دوركهايم وهي مجموع القيم الأخلاقية التي تحدد لنا دائرة سلوكنا الفردية وهي ايض آلية للمنع حينما نود القيام بسلوك خارح النظام المجتمعي الذي نعيش فيه كالجريمة او سب انسان امام الجميع او السرقة أو الغش ،فهو دائرة السلوك الفردية التي تحدد لنا ما سنفعله وما لايجب ان نفعله ، وحينما تتفكك هذه العلاقة ولا يكون لنا هدف موحد اجتماعي وليس لنا مثلنا الاعلى الإجتماعي نسقط في الانوميا التي تجعلنا امام فجوة وهوة بين اهدافنا الاجتماعية المعلنة والوساىل التي يجب اتباعها لولوج هذه الغاية ،وهنا يقول دوركهايم “كل حياة هي توازن مركب ،تحدد مخلتف عناصره بعضها البعض ،واذا ما اختل هذا الاتزان نسقط في الالم والمرض [13]” ، ويعتبر ايضا ان كل فعلأخلاقي هو مقاومة لمين اناني معين وانحراف عن السياق الاجتماعي العام .
فالثقافة تحدد الاهداف والطرق التي يجب اتباعها للوصول للهدف ، وحينما ينصاع الفرد لانانيته فانه يسقط في هدف تسريع الوصول الى الغاية وهو ما يؤدي الى اتباع طرق أخرى غير اخلاقية للوصول الى الهدف فهنا نسقط في نوع من الانوميا ، اي ان المعايير الاخلاقية لاتصبح متطابقة مع السلوك ، كالسرقة او الرشوةاو الهجرة غير الشرعية او التحرش الجنسي ، ويدفعنا هذا الطرح الى التفكير مع احد تلامذة إميل دوركهايم حول مسالة الترابط الإجتماعي وعلاقته بالتدخل الاجتماعي وهو عالم الإجتماع الفرنسي سيرج بوغام .
فهل يعقل إذن من خلال كل ما ناقشناه ان يفكر العامل الاجتماعي خارج ما ينتج في الابحاث السوسيولوجية ، وان قام بذلك فهل تدخله يندرج ضمن الادماج الإجتماعي ام في تقديم خدمة اجتماعية للفرد ؟
ففي مقالة سيرج بوغام المنشورة حديثا ،والمعنونة بهيكلة المجتمعات الحديثة[14] ،نجد انه ناقش فيها مسالة الاسرة والوطن والإنسانية ، معتبرا ان الوطن هو ذو مستوى أعلى بالنسبة للفرد لما يتضمنه وما يحتويه من قيمة بالنسبة له،فرابط المواطنة والمدنية حسب كل دوركهايم وبوغام له من الاهمية البالغة في حياة الفرد ، وهنا يتساءل بوغام مع دوركهايم حول كيفية تنظيم الأسس الأخلاقية للتضامن؟ وهو موضوع لايرتبط بعلم الإجتماع فقط بل بالعمل الإجتماعي ايضا
وهنا يميز لنا سيرج بوغام بين اربعة انواع من الروابط الإجتماعية المهمة لكل فرد داخل المجتمع ، اولا رابط البنوة وهو رابط القرابة ، ثم رابط المشاركة الاختيارية وهو المتعلق بالاصدقاء والاقارب المختارين ،ثم رابط المشاركة العضوية وهو المرتبط بالاندماج المهني ثم رابط المواطنة الذي يعني العلاقات بين اعضاء المجتمع السياسي نفسه ، ويشير بوغام إلى ان هذه الاربع روابط تشير الى اربعة مجالات متميزة عن بعضها فرابط البنوة هو مرتبط بالاخلاق المحليةورابط المشاركة العضوية للاخلاق المهنية ورابط المواطنة للاخلاق المدنية ،فهذه الروابط الاربعة هي تشكل نسيجا إجتماعيا يلف الفرد ،ويختلف مفهوم المواطنة حسب بوغام من مجتمع لآخر ،فكلما ضعفت هذه الروابط في حياة الفرد يكون معرضا للوهن الإجتماعي وهو ضد الإندماج الإجتماعي .
وانتقالا الى حوار أجري مع سيرج بوغام والذي عنون ب” يجب على العمل الإجتماعي نسج روابط تحريرية “[15]، والذي سنعرض بعض ترجماته نجده قد ناقش مسالة اساسية وهي موضوع العمل الإجتماعي ومسألة تدخله وهي على الشكل الآتي:
س : هل يمتلك متخصصو العمل الاجتماعي مفاتيح المضي قدمًا في هذه التحولات النموذجية؟
ج : من الواضح أن إدارة المؤسسات هي في الخطوط الأمامية فيما يتعلق بهذا الموضوع المحدد، لأن الأساليب التنظيمية ليست دائما عملية ويجب التشكيك فيها. في كثير من الأحيان، يجد العمال الاجتماعيون أنفسهم عالقين في مواصفات لا تترك لهم مجالًا كبيرًا للمناورة. ومن ثم، تاريخيًا، تأثر التدريب على العمل الاجتماعي بعلم النفس أكثر من تأثره بعلم الاجتماع، حيث دافع عن فكرة أن الناس بحاجة إلى الإصلاح. ومنذ ذلك الحين، يتم نشر الوسائل لحماية الشخص ودعمه حتى يتمكن من الوصول إلى الموارد الموجودة في أعماقه. ومن الواضح أن هذا البعد العاطفي والعلاقة مع الذات مهمة. ولكن لإعادة بناء الروابط الاجتماعية، فإن الزناد يحدث داخل الجماعة. ومع ذلك، تشير هذه الافكار إلى مجال التدخل الاجتماعي الذي يكافح أحيانًا لتنظيم نفسه؛ غالبًا ما يرجع ذلك إلى نقص الموارد، ولأن المهام الموكلة إلى العمال الاجتماعيين لا تسمح لهم بالتدخل خارج النطاق المخطط له، حتى في حل “الحالات” يتعامل معها كما لو كانت كل حالة معزولة.،لكن في الاصلهناك روابط يجب بناؤها.
س : نعود إلى السؤال: مفاتيح المضي قدما ليست في أيدي الموجودين على الميدان ؟ ..
جواب : كما قلت، يتطلب العمل على الاعتراف والعمل الجماعي إعادة التفكير في طريقة تنظيم العمل الاجتماعي. وهناك، في الواقع، يجب على إدارة المؤسسات أن تتعامل مع الثور من قرونه. ولكن بما أنهم يعتمدون أيضًا على الممولين، فمن الضروري نشر التشاور على عدة مستويات. إذا طلب المهنيون الميدانيون فقط الموارد، فسيتم إدارة ذلك كمشاكل نقابية، في حين أن هناك مشروعًا هنا يتجاوز إطار المكافآت البسيطة أو ظروف العمل. الأسئلة الحقيقية التي يجب الإجابة عليها هي: ما هي الأهداف التي يجب تحقيقها من خلال العمل الاجتماعي اليوم في مجتمعنا؟ ما هو نوع العمل الاجتماعي الذي نريده حقًا لمجتمع القرن الحادي والعشرين؟ يبدو لي أن هذه الأسئلة ضرورية اليوم ويجب أن تكون موضوعا للنقاش، ليس فقط داخل المهن الاجتماعية، ولكن أيضا داخل المجتمع
س : إذا عدنا إلى الحماية الاجتماعية للأطفال، فهناك أيضًا تفكير في العمل الجماعي الذي يتعين القيام به لتعزيز الروابط… ؟
ج : نظريتي التي طورتها في التعلق الاجتماعي تصوغ إطارا تحليليا يساعد على التفكير في تطورات العالم وأشكال التضامن. وفي ضوء هذه المساهمة ومن حيث الحماية الاجتماعية للأطفال، يجب أن نحاول فهم العلاقات والتفاعلات بين ثلاثة أنواع من الجهات الفاعلة، الأطفال وأسر هؤلاء الأطفال والعمال الاجتماعيين، وكذلك المؤسسات التي يعتمد عليها العمال الاجتماعيون
س : داخل المؤسسة، كيف يمكننا إعادة صياغة هذه الروابط الاجتماعية بين المهنيين والشباب المرحب بهم؟
ج : إن التشكيك في تجارب الآباء والأطفال والعمال الاجتماعيين بشكل عام يسمح بظهور فجوات، بدءاً بتجارب هؤلاء الشباب؛ ما هي الصعوبات التي يواجهونها، أحياناً منذ ولادتهم، منذ الأشهر الأولى، السنوات الأولى من حياتهم؟ ما هي الحقائق التي يواجهونها؟ والاستماع إليهم يعني فهم تطلعاتهم بشكل أفضل. تتيح نظرية الارتباط الاجتماعي تحليل تشابك الأنواع الأربعة من الروابط أثناء عملية التنشئة الاجتماعية. وعندما لا تتقاطع بطريقة متناغمة أو إذا كانت إحدى هذه الروابط مفقودة، فإن خطر الصعوبات التراكمية يكون حقيقيا. يمكننا حينها التحدث عن التعلم الفاشل.
س :فهل ظهور هذه الصعوبات التراكمية يفتح الباب أمام عملية الإقصاء الاجتماعي؟
ج : العزلة، الاستبعاد الاجتماعي، الارتباط الاجتماعي
عندما نلمس روابط معينة، يكون الأمر مثل زوال فصل الربيع ويجد الطفل نفسه عالقًا في دوامة يمكن أن تؤدي في الواقع إلى عملية فقدان الأهلية الاجتماعية المبكرة. ومن الواضح أن التدخل في هذه العملية يتطلب إدراك آليات التنشئة الاجتماعية. ومن خلال تحليل البعد المزدوج للحماية والاعتراف من خلال هذا المنظور، نلاحظ أن هؤلاء الشباب يواجهون نقصًا كبيرًا في الحماية. بالمقارنة مع الأطفال الآخرين، لديهم في البداية فرصة أقل للحصول على المساعدة. ثم، غالبًا ما يشعرون أنه حتى لو اعتنى بهم الكبار، فإن هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون مساعدتهم حقًا؛ يشعرون بأنهم مهجورون وعاجزون في مواجهة المهام والتطورات المتوقعة منهم. يشعرون بنقص الحماية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص الذين تكون علاقاتهم صعبة – وغالبًا ما تكون غير مدعومة من أسرهم سوف يواجهون أيضًا مشاكل في المدرسة، حيث يشعرون مرة أخرى بعدم الدعم، وأنه من الصعب العثور على مكانهم
س : ما هو تأثير هذه العزلة التي يعيشها الشباب في المدرسة على بقية حياة هؤلاء الشباب؟
غالبًا ما تمتد حالات العزلة، الضارة بالفعل بهؤلاء الأشخاص، إلى مجال الصداقة. وهذا يعني أنه بدلاً من أن يكونوا مصدرًا للحماية، كما ينبغي أن يكون للاستجابة لحاجة متأصلة في الطفولة حيث يأتي التوازن من خلال الروابط مع الأصدقاء، ويتبنى “الأصدقاء” أيضًا سلوكيات تقلل من قيمتهم. وهذا النقص يمكن أن يكون مصدرا للضيق. بالنسبة لهؤلاء الأطفال، فإننا نشهد عجزًا تراكميًا واضحًا في الحماية. والأكثر من ذلك، أن هؤلاء الشباب ما زالوا يواجهون الرفض. حول هذا الموضوع، فإن العمل الذي قام به جان لابينز في الستينيات قد مكّن من ملاحظة تهميش الأطفال الأكثر فقراً في المدرسة، وخاصة في ساحة اللعب لقد لاحظ أن هؤلاء الأطفال يشغلون مواقع هامشية في الفضاء، كما لو أن العيش في هذا النوع من الموائل المنخفضة القيمة يجعل الآخرين مشبوهين وبعيدين ومثيرين للاشمئزاز. ولم يتمكن هؤلاء الطلاب من الدخول في الألعاب والحياة في الفصل مثل الأطفال الآخرين. هذا الشعور بعدم الحب يشعر به الأطفال في مجال حماية الطفل بشكل يومي. ولكن عندما يكون هذاومع ملاحظة الوصم ، يقع على عاتق البالغين واجب التدخل ، وليس فقط بطريقة تجعل الأطفال المعنيين يشعرون بالذنب بأسئلة مثل: “إذا لم يكن لديك أي أصدقاء، فلماذا ؟” ربما تكون شخصيتك هي السبب في أنه ليس لديك أي أصدقاء. » دون التقليل من المشاكل النفسية التي قد يتعرض لها الطفل، لكن يجب أن نخرج من هذا النمط ونرى كيف يمكن إدماجالطفل مع بيئته .
س : واليوم، يجب على المعلمين أيضًا تبني موقف يعزز التكامل الاجتماعي…
ج : في رأيي، تقع على عاتقهم بالفعل مسؤولية إنشاء أنشطة جماعية أثناء العطلة لمنع الطلاب من أن يجدوا أنفسهم معزولين. يتحمل الكبار مسؤولية القيام بكل ما هو ممكن حتى يتمكن هؤلاء الأطفال من اللعب والتفاعل مع الآخرين. ولكن في مسائل العمل الاجتماعي، فإن النهج متطابق. إذا لم نعيد المستفيدين إلى المركز فلن يقوم أحد بذلك وستتكرر المواقف مراراً وتكراراً. نعود إلى المزاوجة بين الحماية والاعتراف، والتي يجب أن تسير جنبًا إلى جنب.
س : ولذلك يبقى البعد النفسي في نظرك مهما جدا في العمل الاجتماعي، على حساب القراءة السوسيولوجية للمواقف أحيانا….
ج : ما أسعى لإثباته في عملي هو أن النهج النفسي الذي طوره جون بولبي في نظريته عن التعلق المنشور عام 1969يجب أن يمتد من خلال اللجوء إلى علم الاجتماع. وبدون التشكيك في عمله، يبدو لي أن الأمريتعلق اليوم بمراعاة عمليات التنشئة الاجتماعية التي تتجاوز العلاقة بين الطفل وأمه. وهذا يعني أنه يجب أن يكون لدى العمال الاجتماعيين الوسائل اللازمة للتدخل، ليس فقط مع الأطفال وأولياء أمورهم، ولكن أيضًا في الأماكن التي يتواصل فيها الأطفال اجتماعيًا، وخاصة في المدارس، لتوعية أعضاء هيئة التدريس بحقيقة أن مهمتهم هي أيضًا مهمة تؤثر على الروابط الاجتماعية. وأن هذا الرابط الاجتماعي ضروري في كل عملية تعلم. إن الطفل الذي لا يحافظ على روابط قوية في المدرسة يتعرض لخطر الفشل، لأنكل شيء لا يعود إلى مهارات التعلم والتعبئة عندما يتعلق الأمر بالواجبات المنزلية. ترتبط ايضا هذه العمليات بالسياق الاجتماعي، حيث يسمح التحفيز الإيجابي أو السلبي بالتقدم أو لا. وحتى اليوم، يُجبر الأطفال على أن يفهموا أنهم إذا لم ينجحوا، فذلك لأنهم ليسوا أذكياء مثل الآخرين. لكن مثل هذه الخطب لم تعد ممكنة اليوم!
خاتمة
فمن خلال ما سلف يتبين لنا أن المجتمع حسب كل سيرج بوغام واميل دوركهايم قبله يتفقون على ان لكل ما هو إجتماعي موضوعه ،وأن دراسة أو مقاربة ماهو إجتماعي يتطلب عينا فاحصة لها تكوين معرفي مرتبط بهذا الموضوع ،فلا يمكن لعالم الإقتصاد أن يدمج إجتماعيا ولاعالم النفس ايضا لان لكل موضوعه ،وهنا نعود لما سلم به سيرج بوغام وهو يدرس الأطفال المرحب بهم في المدرسة انه ونحن نحاول التدخل في هذا الموضوع يجب ان نرتدي زي المدمج الإجتماعي ،ولكي ندمج إجتماعيا يجب ان تكون لنا دراسة بما يكتب سوسيولوجيا حول التضامن الإجتماعي ،والتماسك الإجتماعي والروابط الإجتماعية ،لأننا لن نقول للطلفل ماهي عقدك النفسية وهل تصرخ عليك امك بل للعامل الإجتماعي موضوعه كما قال بوغام وهو ان يبحث كيف يدمجه مع بيىته .
المراجع :
إميل دوركهايم – التربية الأخلاقية – ترجمة محمد بدوي – كتابك للنشر والتوزيع
إميل دوركهايم – الإنتحار ترجمة حسين عودة – دراسات اجتماعية
سيرج بوغام – الرابط الإجتماعي – ترجمة نصير مروة –الفكر العربي
اسامة البحري طالب بمسار التميز العمل الإجتماعي بجامعة السلطان مولاي سليمان بني مل
[1]إميل دوركهايم – التربية الأخلاقية – ترجمة محمد بدوي -كتابك للنشر والتوزيع – ص 125
[2]نفس المرجع – نفس الصفحة
[3]نفس المرجع – ص:132
[4]نفس المرجع – ص
[5]نفس المرجع
[6]نفس المرجع
[7]نفس المرجع ص : 142
[8]نفس المرجع ص:210
[9]نفس المرجع -ص :211
[10]إميل دوركهايم -الإنتحار ترجمة حسين عودة –دراسات اجتماعية – ص: 70
[11]نفس المرجع ص: 75
[12]نفس المرجع – نفس الصفحة
[13]إميل دوركهايم – التربية الأخلاقية – ترجمة محمد بدوي – كتابك للنشر والتوزيع – ص 125
[14]Serge paugam – la structuration des sociétes modernes–college de France -la vies des idees
[15]Serge paugam – le travail social doit tisser des liens liberateurs – reiso
* اسامة البحري طالب بمسار التميز العمل الإجتماعي بجامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال