الألباب المغربية/ بدر شاشا
في عالم يتسارع فيه التقدم والتطور، تبرز الجهوية المتقدمة كأداة حيوية لتحقيق التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق داخل الدولة. تعد الجهوية المتقدمة، عندما يتم تفعيلها بشكل جاد، أحد الوسائل الفعالة للتعامل مع التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المناطق النائية والقروية والمدن الصغرى. إلا أن هذا التحول يحتاج إلى خطوات مؤسساتية وعملية مدروسة بعناية، تستهدف تحسين جودة الحياة في هذه المناطق من خلال توفير بنية تحتية متطورة في شتى القطاعات، بداية من الصناعة والتعليم، وصولًا إلى الصحة والرياضة.إن واحدة من أهم الركائز التي يجب أن يعتمد عليها تعزيز الجهوية المتقدمة هي إنشاء مناطق صناعية ضخمة في كل جهة. تعتبر هذه المناطق عنصرًا أساسيًا لتنشيط الاقتصاد المحلي، حيث توفر العديد من فرص العمل لسكان تلك المناطق، خاصةً في ظل ارتفاع معدلات البطالة. كما أن إنشاء هذه المناطق الصناعية يساهم في تعزيز استقلالية هذه الجهات الاقتصادية من خلال تشجيع الصناعات المحلية على النمو والازدهار. إن وجود هذه المناطق يشجع على تحسين التكنولوجيا المتوفرة، ويسهم في نقل المهارات والمعرفة إلى أيدي السكان المحليين، مما يساهم في رفع مستويات المعيشة بشكل عام.ومع ذلك، فإن النجاح في إنشاء هذه المناطق الصناعية لا يكون كافيًا إذا لم يتم توفير البنية التحتية الصحية اللازمة لتلبية احتياجات السكان. ففي كثير من المناطق النائية والقروية، ما زالت خدمات الرعاية الصحية متواضعة جدًا، مما يعرض المواطنين إلى مخاطر صحية متعددة ويقلل من فرصهم في الحياة الصحية المستدامة. من هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى إنشاء مستشفيات ضخمة ومتطورة في كل جهة من الجهات، لتوفير خدمات طبية شاملة ومتكاملة، تشمل الوقاية والعلاج الجراحي والطوارئ والرعاية التخصصية. إن تحسين الوضع الصحي في هذه المناطق يشكل ركيزة أساسية لنجاح الجهوية المتقدمة، لأنه بدون صحة جيدة، لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق النمو المستدام.في إطار التنمية الشاملة، لا يمكن أيضًا إغفال أهمية الرياضة في بناء المجتمع وتحقيق التوازن الصحي. فتوفير الملاعب والمنشآت الرياضية المتطورة في المناطق النائية والقروية يساهم في تحسين حياة الأفراد ويعزز من تفاعلهم الاجتماعي. الرياضة ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل تعد وسيلة لتطوير المهارات الشخصية وبناء الشخصية السليمة. كما أنها تساهم في نشر الثقافة الرياضية وتحفز الأفراد على الاعتناء بصحتهم الجسدية والعقلية. توفير هذه المنشآت يخلق بيئة صحية حيوية تشجع الشباب على الانخراط في الأنشطة الرياضية وتساعد في بناء مجتمع نشط، قادر على مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية.أما فيما يتعلق بالإدارة المحلية، فإحدى أولويات الجهوية المتقدمة يجب أن تكون تعزيز قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات العامة بسهولة ويسر. في هذا السياق، تبرز أهمية إنشاء إدارات قريبة من المواطنين في كل جهة، بحيث يتمكن الأفراد من الوصول إلى الخدمات الحكومية دون عناء. يعزز هذا القرب الإداري من الشفافية ويقوي الثقة بين المواطنين والإدارة المحلية، مما يساهم في تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك المناطق. الإدارات القريبة تتيح للناس حل مشكلاتهم بشكل أسرع، مما يعزز من استقرار المجتمع ويحفز على الابتكار والتطوير.لا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة دون الاهتمام بالتعليم، خاصة التعليم العالي. فبناء الجامعات في كل جهة ليس فقط خطوة نحو تأهيل الأفراد في هذه المناطق، بل هو استثمار طويل المدى في بناء رأس المال البشري. التعليم العالي يعد من الأسس التي لا غنى عنها لتحقيق النمو والتطور في أي مجتمع، إذ يفتح الفرص أمام الشباب للحصول على مهارات متخصصة تسهم في دفع عجلة الاقتصاد وتطوير مختلف القطاعات. إن وجود الجامعات في مختلف الجهات يساهم في تقليص الفجوة التعليمية بين المناطق الكبرى والمناطق النائية، ويتيح للطلاب فرصًا أفضل للحصول على تعليم متميز دون الحاجة للانتقال إلى المدن الكبرى.لكن، تكمن المشكلة الكبرى في بعض المناطق التي لا تزال تعاني من نقص في الكفاءات المهنية، لا سيما في الإدارات المحلية. نجد أن بعض الموظفين في الجماعات المحلية والمقاطعات والبرلمان يفتقرون إلى التعليم العالي، ما يشكل عائقًا أمام تحقيق التقدم الفعلي في تلك المناطق. إن الاعتماد على موظفين لا يمتلكون الحد الأدنى من الكفاءات اللازمة لن يمكننا من تحقيق التنمية المنشودة. لذلك، فإن أحد الأهداف الأساسية للجهوية المتقدمة يجب أن يكون رفع مستوى التعليم والتأهيل المهني في مختلف الإدارات، حتى تكون قادرة على التعامل مع التحديات المعاصرة بكل كفاءة واقتدار الجهوية المتقدمة لا يمكن أن تحقق نجاحًا مستدامًا إذا لم ترافقها خطوات عملية تستهدف تحسين كافة جوانب حياة المواطنين في المناطق النائية والقروية والمدن الصغرى. من خلال استثمارات حقيقية في الصناعة، والصحة، والتعليم، والرياضة، والإدارة، يمكننا أن نضمن تنمية شاملة ومتوازنة تحقق رفاهية المواطنين في جميع أنحاء البلاد. إن التفعيل الجاد لهذه الاستراتيجيات لا يقتصر على مجرد إنشاء مشاريع، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة المحلية إلى المواطنين أنفسهم، ليكونوا شركاء في بناء مستقبلهم ومجتمعاتهم.