الألباب المغربية/ محمد خلاف
العياشي رجل طاعن في السن لكنه يبدو أصغر بكثير من عمره؛ له روح جميلة؛ يقطن نواحي المدينة رفقة إبنه الفلاح؛ وزوجة إبنه وأحفاده؛ بعدما فقد رفيقة دربه؛ ديدنه؛ الصحو باكرا لصلاة الفجر بمسجد الدوار؛ وتفقد الزريبة وأرجاء المنزل بواسطة مصباح هاتفه؛ ثم التوجه عبر الطوبيس الى لاربعا؛ أصبح وجها مألوفا عند الجباة والسواق؛ يبلغ المدينة يتوجه توا إلى إحدى المقاهي الشعبية، حيث يتناول فطوره الصباحي عند حليمة معدة الفطائر والعجائن والشاي وبيصارة؛ ثم يقوم بجولته المعتادة عند بعض أصدقائه من التجار والحرفيين من أبناء منطقته؛ ليقصد أخيرا مقهاه المعتاد قرب المحطة الطرقية للعب أوراق الرونضة على إيقاع التنابز والتراشق اللغوي والمستملحات؛ و(رشم وخلص)؛ حتى وصول وقت صلاة الظهر؛ وتناول وجبة اللوبيا أو العدس؛ أو الدجاج أو ممليط كما يقول لدى حليمة أيضا؛ يبقى في مقهاه رفقة أصدقائه غالبيتهم من المتقاعدين حتى فترة الأصيل؛ ليعود إلى الدوار؛ منتشيا بمغامراته وصداقاته بلاربعا؛فيصاحب مذياعه السحري مصدر معلوماته وترفيهه؛ ووسيلته للتحرر والكفاح؛ حتى يغالبه النوم في انتظار مطلع فجر جديد.. ؛ لتهب ريح كورونا تخثر الزمن في لمح بصر؛ توقفت الحياة، فقد العياشي لذة لاربعا وأيام لاربعا؛ بحث عن المقدم لأخذ ورقة لن تنفعه؛ ساد هدوء رهيب وخوف وترقب؛ وقلق مستمر بالدوار؛ لزم البيت؛ لا يخرج إلا للضرورة القصوى؛ يحافظ على مسافة الأمان؛ يحمل قارورة معقم؛ وثوم وقرنفل؛ يعود من دكان الدوار مسرعا مذعورا؛ ينتظر أخبار كورونا عبر المذياع والتلفزة؛سمى الدكتور اليوبي طورا مول كورونا وطورا ٱخر الطبيب البرداوي لأنه سمع عن بداياته بمستوصف أحد البرادية؛ أدمن على مشاهدته؛ تغيرت نظرته للعالم؛ وحتى تفاعله مع الأشياء المحيطة به؛ أصبح ينظر للعالم والأشياء بشكل مختلف؛ أصبح العياشي ينظر للإنسان أنه فقط جزء من الطبيعة وليس محور الكون؛ أضحى سبينوزا الدوار؛ ترسخت لديه فرضية المؤامرة؛ خاصة بعد تبادل الإتهامات بين الصين وأمريكا حول المسؤولية عن نشر الفيروس القاتل؛ أحيانا كثيرة كان يحدث شباب الدوار عن الطاعون والكوليرا والسبانيولية (الأنفلونزا الإسبانية) والعواية وبوحمرون و.. أصبح العياشي مضرب مثل في التعفف؛ لأنه رفض التسجيل في مساعدة رميد لكونه متيسر ماديا نوعا ما؛ على خلاف الكثير من الناس الذين استفادوا دون حق؛ سماهم مجازا خونة الوطن.
سمع العياشي خبر تخفيف الحجر وفتح وسائل النقل دون الحاجة الى جواز؛ ومحلات الحلاقة؛ والمتاجر؛ بحث بسرعة ولهفة عن جلبابه الأبيض؛ وطاقيته؛ ومداسه الجلدي الايطالي الصنع، بعدما كانت زوجة إبنه قد خبأت كل أغراضه في صندوق خشبي بركن سحيق بالمنزل ظنا منها أنها نهاية العالم كما قالت لها جارتها؛ خرج العياشي مرتديا كمامته التي صنعها بنفسه من بقايا عمامة؛ ينتظر الحافلة؛ بعكازه الذي يكاد لا يلامس الأرض أبدا؛ متأبطا جرابه الجلدي الأصفر الغاص بأغراضه الثرة؛ مزهوا بانتصاره الوهمي على كورونا؛ صعد الى الحافلة المكتظة ؛ وبدأ يعد في الركاب؛ ليصيح بصوته البدوي (ياودي يا خمسين في المئة ياودي)؛ قصد مباشرة صديقه الحلاق بالجوطية؛ لحلاقة شعر رأسه ووجهه؛ طالبا منه إحراق موسى الحلاقة لأن سمع من أحد شباب الدوار أن كورونا تقتله الحرارة؛ والسخونة؛ وأثارت عطسة الحلاق فزعا كبيرا في نفس العياشي؛ وكادت أن تثير له مشكلة معه؛ بعدها قصد مقهاه الأبدي لشرب الشاي؛ والجلوس مع أصدقائه؛ الذين اشتاق لهم؛ ومزقه البعد والفراق؛ وحن الى لعبة الرونضة؛ وجدهم يلعبون خلسة تحت أقواس المحطة؛ فمد له أحدهم مجموعة من الأوراق الملفوفة؛ والأحجار الصغيرة للرشيم أو لعب دور الحكم والخلاص؛ على إيقاعات (ترينكة وميسة وجبتها بالراي؛ دافع صغير؛…) إحتشام العياشي منعه من الرفض؛ لكنه اختار الدعاء سرا لنفسه بالنجاة من العدوى؛ أو القرينا أوالكورونية كما سماها ذات يوم؛ خوفا من أن تحمله يداه من الدوار الى بنكرير أو بنسليمان.