الألباب المغربية/ محمد لعريشي
تشهد مختلف مدن المغرب في الأيام الأخيرة سلسلة من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات القوية، تعبيراً عن مطالب اجتماعية واقتصادية لم تجد بعد طريقها إلى الحل. هذه التحركات الشعبية تأتي في سياق حساس، إذ لا تفصل البلاد سوى أشهر عن موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مما يطرح أسئلة عميقة حول علاقة المواطن بالعملية الديمقراطية الانتخابية ومدى ثقته في قدرتها على إحداث الإصلاح المنشود.
فمنذ سنوات، ظل الشارع المغربي يعبر بطرق مختلفة عن غضبه من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتردي بعض الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم وغيرها، إلى جانب مطالب فئات مهنية متعددة تبحث عن تحسين أوضاعها. غير أن ما يلفت الانتباه هو تراجع منسوب الثقة في المؤسسات المنتخبة كوسيلة لحل هذه القضايا، إذ يرى جزء من المواطنين أن الانتخابات، رغم تكرارها، لم تُترجم بعد إلى إصلاحات ملموسة تمس حياتهم اليومية.
الوقفات الاحتجاجية إذن ليست فقط وسيلة للمطالبة بالحقوق، بل هي أيضاً تعبير رمزي عن قطيعة نفسية بين المواطن والفاعل السياسي، وعن شكوك متزايدة في جدوى المشاركة في صناديق الاقتراع. وهذا ما يضع الأحزاب والهيئات السياسية أمام تحدي استعادة الثقة، عبر تقديم برامج واقعية وقابلة للتنفيذ، وربط الخطاب بالفعل، وإبراز إرادة سياسية حقيقية في الإصلاح.
وفي هذا السياق، يظل ربط المسؤولية بالمحاسبة بتفعيل حقيقي وليس كشعار لدغدغة المشاعر بل هي أحد المفاتيح الأساسية لاستعادة الثقة المفقودة، إذ إن تفعيل هذه القاعدة الدستورية بشكل فعلي قد يشكل “مدخلاً أساسياً” لإعادة بناء علاقة جديدة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة، على أساس العدالة والشفافية والنتائج الملموسة.
إن تزامن الحركات الاحتجاجية مع اقتراب الانتخابات يعكس مفارقة عميقة: من جهة، هناك وعي شعبي متنامٍ بحقوقه وقدرته على التعبير؛ ومن جهة أخرى، هناك مؤسسات تمثيلية تعاني أزمة ثقة. وبين الطرفين يقف مستقبل الديمقراطية التمثيلية على المحك، في انتظار أن تجيب صناديق الاقتراع المقبلة عن سؤال جوهري: هل يمكن للعملية الانتخابية أن تتحول من مجرد موعد دوري إلى أداة فعلية للتغيير والإصلاح؟