الألباب المغربية/ محمد خلاف
إن الشوق للأماكن يمثل شوقا للروح والعطر والذاكرة؛ لها بصمات تسطو على النفس البشرية؛ تعمق ارتباطنا الروحي بها؛ إنها فيض من الذكريات بأشياء أفلت؛ وأشياء عالقة في ذاكرة الزمان عشقها متأصل فينا لعراقتها وخصوصياتها وحظوتها ومن الأماكن القديمة بالفقيه بن صالح: المسجد الأعظم المتواجد بزنقة النجارين العريقة؛ والمصممة من قبل (بيار ريد)؛ والتي كانت سابقا عبارة عن بعض الدور ومجموعة من الدكاكين لبيع مادة الجير؛ لازالت معالم بعضها كاشفة؛ معروفة عند الجيل الذهبي ب(بيار امحمد)؛ وعند البعض بالفقيه المراكشي؛ وعند البعض الآخر بالمكتبة العربية؛ كل حسب هواه، يعود تاريخ المسجد إلى بداية التعمير والتشييد بالمدينة؛ حيث كانت أولا عبارة عن مجموعة من( النوالات) المحاطة بالزرايب؛ مما جعل القائد الشرقي يجلب ابتداء من سنة 1939 العديد من البنائين والنجارين من مدينة أبي الجعد؛ الذين ساهموا بحق في النهوض بالنسيج العمراني والحضاري بالمدينة ومنها المسجد الأعظم الذي استغرق بناؤه خمس سنوات من سنة 1948 إلى سنة 1953؛ساهم في بناءه جميع سكان المدينة بالمال أو بالعمل؛ كما ساهم منتجو القطن بأداء فرانك واحد عن كل كيلو غرام من القطن المبيوع؛ وقد كلف بناؤه ٱنذاك 13مليون فرانك؛ فطوبى لهم إذ بنوا مسجدا؛ يفيض طهرا بمن لله سجدا؛ على حد قول الشاعر؛ شكل مع مرور الزمن أحق الأماكن بالصيانة والإهتمام؛ باعتباره موضع تعبد وتجهد؛ ومسكن الأبرار؛ ومجلس الأخيار؛ وحصن من حصون المسلمين؛ له مكانة متميزة بالمدينة؛ حتى أن الحي المجاور له سمي بدرب الجاموعة المتميز بعمرانه المتفرد وأصالته؛ وأناقة قاطنيه؛ غير أنه مع مظاهر التمدن والتطور؛ تقدمت وظيفة المسجد إلى تلقي دروس العلم وحلقات قراءة القرآن الكريم والوعظ والإرشاد؛ وأصبح أكثر جمالا؛ وفخامة بالأفرشة والمصابيح والمحراب والمنبر والمئدنة؛والأجهزة الصوتية الحديثة؛ والزخرفة والزينة في السقوف والجدران بدقائق الفسيفساء؛ في الحنايا والأفاريز؛ رغم اختلاف العلماء حول الموضوع؛ حيث اعتبرها البعض تبديرا للأموال تحولت معها المساجد إلى متاحف وأماكن للسياحة؛ وأن الفقراء أحق بتلك الأموال؛ وأن كثرة الزخارف من شأنه أن يلهى عن الصلاة؛ فحين ذهب بعضهم الآخر إلى أنها وسيلة للتأمل والتعبد وإراحة النظر؛ وأن المساجد أولى بالعناية على غرار معابد الديانات الأخرى التي ترفل في أبهى الحلل، ولأن الله جميل يحب الجمال؛ ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويبغض البؤس والتباؤس.
ويبقى المسجد الأعظم من الأماكن القديمة بالمدينة؛الواجب الإهتمام بها باعتباره من أحب البقاع إلى الله؛ وأنه خير مقام في بيت رب عظيم؛ تعلقنا به حالة عاطفية تسيطر على مشاعرنا دوما؛ نشعر أننا بحاجة إليه؛ يعيد إلى أنفسنا الهدوء؛ مكانته معلقة بالقلب وصدى النفس الحالمة بالرجوع عميقا إلى الذات. نشكو الله أن يوقضنا على الخبر اليقين بزوال الفيروس اللعين؛ وفتح المسجد للمصلين؛ وندعوه إلى كشف الكرب؛ ورد المعتدي والجاني؛ ونعود نعمر ساحة الإيمان؛ وألا تعود مظاهر الفوضى قبل وبعد كل صلاة أمام المسجد؛ وحتى تكون الحضارة أخلاق سامية نوظفها؛ وليست أدوات نستهلكها ونستعملها؛ قال تعالى في سورة البقرة (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) صدق الله العظيم.إ
لى مكان قديم آخر..