(*) مصطفى طه
يعلم جميع المغاربة أن المملكة شهدت تطورات دستورية، وما راكمته من إرث دستوري وتقاليد وفلسفة دستورية راسخة، تجعل موضوع المسؤولية السياسية للمنتخبين المحليين موضع طرح العديد من التساؤلات.
وارتباطا بالموضوع، عجبا للخطوات اللامسوؤلية لبعض الساسة في مدينة ورززازات، هذا التلون السياسي لدى كائنات هذا الحقل، يعتبر نفاقاً وتغييراً لمبادئهم ولهجة خطابهم بطريقة مسترسلة، بحيث يطلون علينا بألوانهم الحزبية وبخطاباتهم الاستهلاكية الشعبوية، فهو صنف يظهر في كلامهم الأكاذيب ويراوغون، ليمرروها على الساكنة المحلية وهو يعلمون علم اليقين أن كلامهم مجرد نفاق سياسي، هذه المنهجية السلبية التي يلقي بها في جب ضيق، تسيء إلى الحقل السياسي، وتزداد هرجا ومرجا لأهداف ذاتية محضة.
وفي هذا الصدد، قام بعض أعضاء المجلس الجماعي لورزازات، ينتمون للأغلبية والمعارضة، في الأيام القليلة الماضية بجولة تفقدية بل بمسرحية سخيفة، وذلك للوقوف وبالملموس على المشاريع التي تشهدها المدينة المذكورة، وحسب تعبيرهم، “وقف هؤلاء الأعضاء على وجود خروقات واختلالات تضرب في العمق المشاريع المشار إليها”.
يبدو أن هؤلاء المنتخبين المحليين، لا زالوا يغردون خارج السرب، ويضربون عرض الحائط القانون التنظيمي للجماعات المحلية 14-113، وكل التوجيهات والتعليمات الرامية إلى ضرورة الإنصات إلى المواطنين، وحل مشاكلهم، وليس الوقوف لالتقاط الصور، ولعل أشهر عبارات الفلسفة هي عبارة الفيلسوف الفرنسي، “رينيه ديكارت”: “أنا أفكر، إذن أنا موجود“، وأنا أقول: “أنا ألتقط صورة، إذن أنا موجود”، الأخيرة تنطبق على هؤلاء المنتخبين الذين يتقنون التمثيل السخيف.
وفي ذات السياق، هؤلاء المنتخبين لم يستوعبوا بعد، ما قاله الملك محمد السادس، مساء يوم السبت 29 يوليوز 2017، إن الاختيارات التنموية للمغرب تبقى عموما صائبة؛ “إلا أن المشكل يكمن في العقليات التي لم تتغير، وفي القدرة على التنفيذ والإبداع”.
وأضاف الملك، في خطاب بمناسبة الذكرى الـ18 لعيد العرش، أن: “التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة”.
وهل يمكن من خلال هذه الخطوة الرعناء لهؤلاء السياسيين والغير المسؤولة، الحديث عن التضامن المجتمعي الحقيقي، وعن برامج التنمية، والنموذج التنموي، والانتقال الديمقراطي وغيرها من الممارسات، التي ظلت تحمل في طياتها البشائر، بأن مستقبل الساكنة سيكون أحسن من الحاضر، والتي تشير إلى أن ما شاهدناه من قبل المعنيين بالأمر، هو استغلال انتخابي، من شأنه أن يهوى بالممارسة السياسية إلى مستوى الحضيض، الذي أدى وسيؤدي لا محالة إلى نفور الشباب منه.
كل هذه المتمنيات والبشائر سالفة الذكر، اختفت لتفسح المجال لسياسيين يحملون صفة انتهازيين، هذا يتهم ذاك بكونه جمع ثروته في ظروف مشبوهة، وذاك يخون الآخر ويحاول أن يقدمه بوصفه أكبر متآمر، وثالث ينقب في أرشيف ماضي عدوه السياسي، عله يجد فيه ما يسيء إلى شخصه، ورابع يختار لغة الحيوانات، ليقدم خصمه في صورة التماسيح والعفريت.
هكذا أصبحت الساكنة المحلية، تعيش كل يوم سيناريوهات تثير الاشمئزاز، أكثر مما تدر من الشفقة، وتضع العمل السياسي موضع سخرية وشبهة، وبدأ المواطن المغلوب على أمره البسيط أمام هذا النفاق حائرا، حيث رسمت لديه شيئا فشيئا، لوحة تشكيلية مريبة عن كل ما له علاقة بالسياسة والسياسيين.
تمثل هذه الخطوة لهؤلاء المنتخبين، احتكار العمل السياسي لأنفسهم، حيث استطاعوا في مدة قصيرة وقياسية، إرغام العديد من شباب هذا الوطن العزيز والغالي، على كره السياسة وتطليقها إلى غير رجعة، فعندما تمارس السياسة دون وازع أخلاقي وضمير وطني، فإنها تتحول إلى ميدان انتهازي، وساحة واسعة للقيام بحملات انتخابية قبل الأوان.
إن هذه المنهجية الغير السوية، والمغلوطة للسياسة، كما يمارسها بعض النخب السياسية على المستوى المحلي، تلحق ضررا كبيرا بالتجربة المغربية، التي تظل بحاجة إلى المساندة والرعاية، لتخطي مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي طال أمده، ولا يمكن الوصول إلى هذا المبتغى، في ظل وجود هؤلاء الانتهازيين، الذين يبيتون يحفرون أخاديد الحقد المتجدد، ويصبحون يذكين نار النزاعات الذاتية والشخصية، التي لا تعني سوى أصحابها، من إغراء ذلك المواطن المغربي، بجدوى السياسة.
إن المتتبع للشأن السياسي بمدينة ورزازات، يصل إلى استنتاج مفصل ودقيق، أن هناك اليوم تراجعا كبيرا في نسبة المهتمين بالحقل السياسي، لأنه تم تجريد الممارسة السياسية من ضرورتها القصوى، باعتبارها وسيلة لتحسين ظروف العيش، وتحولت إلى عادة سلبية، تنطوي على مخاطر لا علاقة لها بصيرورة المجتمع، وتجرد السياسي من طبيعته الحقيقية، كفاعل يساهم في تقدم وتطور المجتمع، وهذا ما يفسر انعدام المنظومة الاستراتيجية الواقعية، والهيمنة اليومية والموسمية لهؤلاء السياسيين، على التقاط الصور، إن هذا الفعل المجاني، قد يصيب في العمق العمل السياسي بالسكتة الدماغية، لأنه ببساطة واضحة، لا يهدف إلى إبداع أفكار جديدة، ولأنه تخلى عن كل ما هو وطني، فإنه يؤدي إلى نتيجة واحدة، الكف عن خلق نخب سياسية جديدة حقيقية مواطنة، باستطاعتها قيادة ورزازات نحو مستقبل مشرق.
(*) سكرتير التحرير