الألباب المغربية/ محمد اليحياوي
لن أبالغ حينما أقول إن مكناسة الزيتونة مكان معلق بين السّماء والأرض. الشر موجود فيها ولكنه استنثناء عابر يختلف عن بشاعته في الأماكن الأخرى من بلادنا الكبيرة. الفقر سيل يجرف الكثير في مكناس ولكننا لم نسمع بمكناسي قتل من أجل الخصاصة أو عترض عجوزا من أجل الحاجة إلى المال. لدينا كثير من المنافقين ولكننا لم نسمع بمكناسي مستعد أن يحرق مدينته من أجل منصب سياسي أو من أجل توجه حزبي. الآباء في مكناس في أغلبهم يكرهون العمل وأبناؤهم يكرهون العلم ومع ذلك لم نسمع بتلميذ مكناسي اعتدى على معلم أو أستاذ أو قيم. الخمرة في مكناس عشق أبدي ومع ذلك لم نسمع بمخمور اعتدى على امرأة أو طفل أو عابر سبيل في الشّارع، ومع ذلك يبقى المكناسي موهبة صامتة في الفكر وكلّ الفنون. المكناسيون فيما بينهم يمارسون بعض العدوانيّة البائسة ومع ذلك صدورهم رحبة لكلّ وافد عليهم فلا غرابة أن نجد توسعا معماريا سببه عشاق هذا المكان الذين شعروا بالأمن والأمان والطمأنينة بيننا. المكناسي هو الوحيد القادر أن يصنع من قلب المحنة ابتسامة صادقة وهو الوحيد القادر أن يجعل من ركح المأساة ملهاة يضحك بها الجميع على حساب سعادته الموءودة وجرحه الغائر ….