قراءة نقدية لمدونة الأسرة في ضوء الشريعة وتأثيراتها الاجتماعية

الألباب المغربية/ يونس المنصوري

مدونة الأسرة لعام 2024 أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع المغربي، حيث أعادت صياغة العديد من البنود المتعلقة بحقوق المرأة والطفل والحضانة والزواج. هذه التعديلات جاءت في سياق اجتماعي يتسم بارتفاع نسب الطلاق، تراجع معدلات الزواج، وازدياد الأطفال المتضررين من التفكك الأسري. لمناقشة هذه التعديلات بشكل معمق، من الضروري مقارنة المدونة الجديدة مع مدونة 2004 وتقييم مدى تأثير هذه التغيرات على استقرار الأسرة المغربية في ضوء الشريعة الإسلامية.

• ارتفاع معدلات الطلاق وتراجع الزواج

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب ارتفاعاً ملحوظاً في نسب الطلاق، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد حالات الطلاق بلغ حوالي 100 ألف حالة سنوياً بحلول عام 2023، مقارنة بحوالي 27 ألف حالة فقط في عام 2004، أي بزيادة تجاوزت ثلاثة أضعاف. في المقابل، شهدت معدلات الزواج انخفاضاً كبيراً، حيث انخفضت عقود الزواج من 307 آلاف عقد في 2004 إلى أقل من 250 ألف عقد في 2023.

هذا التراجع في الزواج والارتفاع في الطلاق أدى إلى تزايد عدد الأطفال المتأثرين بالتفكك الأسري، إذ تُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 50 ألف طفل سنوياً يصبحون ضحايا لهذه الظاهرة، مما يؤثر على صحتهم النفسية ومستقبلهم الاجتماعي.

• مقارنة بين مدونة 2004 ومدونة 2024
• الزواج:

مدونة 2004: حددت سن الزواج في 18 سنة كقاعدة عامة، لكنها سمحت بزواج القاصرين بترخيص قضائي إذا اقتضت الضرورة.

مدونة 2024: ألغت الاستثناء بشكل شبه كامل، وأصبحت تمنع زواج القاصرين بشكل قطعي.

النتيجة:هذا التعديل يهدف إلى حماية القاصرين من الزواج المبكر لكنه يثير إشكاليات في المناطق الريفية حيث يُعتبر الزواج المبكر جزءاً من التقاليد.

• الطلاق:

مدونة 2004: قيدت الطلاق بشروط، حيث أصبح الطلاق يتم بإذن المحكمة مع ضرورة حضور الزوجة.

مدونة 2024: زادت من تعقيد إجراءات الطلاق بإضافة شروط مالية مشددة على الزوج والتأكيد على حقوق الزوجة والأطفال.

النتيجة: الإجراءات المشددة ساهمت في تأخير البت في قضايا الطلاق، مما قد يؤدي إلى تصاعد النزاعات الأسرية وزيادة معاناة الطرفين.

• الحضانة:

مدونة 2004: الحضانة تُسقط عن الأم إذا تزوجت.

مدونة 2024: الحضانة تستمر للأم حتى بعد زواجها الجديد إذا ثبتت مصلحة الطفل في ذلك.

النتيجة: هذا التعديل يُعطي الأولوية لمصلحة الطفل لكنه قد يثير خلافات بين الزوج السابق والحالي، مما يُعقّد الوضع الأسري.

• تعدد الزوجات:

مدونة 2004: اشترطت موافقة الزوجة الأولى وإذن المحكمة.

مدونة 2024: جعلت التعدد شبه مستحيل بإضافة شروط صارمة تشمل إثبات القدرة المالية والنفسية.

النتيجة: هذا التعديل يُعتبر خطوة نحو تقليص تعدد الزوجات لكنه قد يُواجه اعتراضات شرعية باعتباره تضييقاً على ما أباحه الإسلام.

– تأثير التعديلات على الأسرة والمجتمع

* الأطفال ضحايا الطلاق: ازداد عدد الأطفال المتضررين من الطلاق، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 300 ألف طفل يعيشون في أسر مفككة في المغرب. هذا الوضع يؤدي إلى مشاكل نفسية واجتماعية للطفل، مثل التسرب المدرسي والانحراف.

* العلاقة بين الأزواج: تزايدت الخلافات الزوجية نتيجة لتعقيد الإجراءات القانونية المتعلقة بالزواج والطلاق. القوانين الجديدة التي تُساوي بين الزوجين في الحقوق والواجبات قد تُضعف الانسجام الأسري وتزيد من الصراعات.

* الضغوط الخارجية: التعديلات الأخيرة تعكس تأثير المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لكن هذا يُثير تساؤلات حول مدى توافقها مع الهوية الإسلامية والثقافية للمجتمع المغربي. يقول الله تعالى: “وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” (البقرة: 120)، مما يُحذر من الانصياع لإملاءات خارجية قد تُزعزع استقرار الأسرة.

– قراءة شرعية للتعديلات

رفع سن الزواج: تحديد سن الزواج بـ18 عاماً يستند إلى حماية حقوق القاصرين، لكنه يُخالف النصوص الشرعية التي تعتمد على البلوغ والنضج معياراً للزواج. يقول الله تعالى: “وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا” (النساء: 6).

تقييد تعدد الزوجات: تشديد الشروط على التعدد قد يُعتبر تضييقاً على ما أباحه الإسلام. يقول الله تعالى: “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” (النساء: 3). ومع ذلك، التشديد قد يُفسر كضمان لتحقيق العدل الذي يُعتبر شرطاً أساسياً للتعدد.

الحضانة: استمرار الحضانة للأم بعد زواجها يتماشى مع مصلحة الطفل لكنه قد يُخالف القواعد الفقهية التقليدية. يقول الله تعالى: “لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا” (البقرة: 233)، مما يُبرز أهمية تحقيق التوازن بين حقوق الأم والأب ومصلحة الطفل.

مدونة الأسرة لعام 2024 تُعتبر محاولة لإصلاح المنظومة القانونية للأسرة بما يتماشى مع متغيرات العصر، لكنها تواجه تحديات شرعية واجتماعية. ارتفاع نسب الطلاق وتراجع الزواج وزيادة الأطفال المتضررين من التفكك الأسري تُظهر الحاجة إلى حلول شاملة تراعي النصوص القرآنية وتحمي استقرار الأسرة. لضمان نجاح هذه التعديلات، يجب أن تستند إلى حوار وطني شامل يوازن بين التعاليم الإسلامية ومتطلبات العصر، مع رفض أي تأثير خارجي يمس بالهوية الثقافية والدينية للمغرب.