الألباب المغربية/ يونس المنصوري
لم أكن يومًا سادنًا في معابد الولاء، ولا زاحمْتُ المزيفين على موائد يوزَّع فيها الخبز بقدر الانحناء. أنا ابن الأرض التي تَكسِر الرياح، وتضحك في وجه العاصفة. أكتب لا لأسودٍ تتزين بحُلَل الذل، ولا لحشودٍ تتسابق نحو السراب.
في ليلةٍ من ليالي العبث، انتصبت الموائد ككمائنَ مُزخرفةٍ بالبهتان، وتراقصت الوجوه على أنغامٍ تذبح الكبرياء تحت مسميات الاحتفال. هناك، حيث صمتُ المبادئ يُخرق بالتصفيق الجاهل، وحيث تُباع الأحلام في سوقٍ لا يختلف عن أسواق العبيد القديمة، كان الحضور أرواحًا خاوية تتدثر بالفرح المزيّف.
صاحب الدعوة، الذي ظن نفسه ربّ المكان، لم يكن سوى عابرٍ ينتظر دورَه في الانطفاء. جمع حوله أجسادًا لا يربطها شرفٌ ولا يجمعها حلم. كانت الخناجر تُشْهَر بين ابتسامتين، وكان كل واحد يرقب الآخر بعين الصياد لا عين الرفيق.
في تلك اللحظة، تكسرت الألحان تحت أقدام من نسيوا نشيد الأرض. تحولت رقصة الجدود إلى طقسٍ جنائزي، تهوي فيه الأجساد فوق رماد المبادئ. كل لحن كان رصاصة رحمة أُطلقت على ماضٍ مهيب.
في الزوايا المعتمة، عقدت الصفقات بالهمس، وتصافحت المخالب خلف الستائر. كان الأرنب والثعلب يشربان من نفس الكأس، ويضحكان من سذاجة أولئك الذين لا يفهمون أن الذئب لا يغير نابه مهما طال ضحكه.
أي احتفال هذا الذي يُقام على جثة الهوية؟ وأي مديح هذا الذي يُكال لمن باع ظله بثمنِ طبقٍ مشوي؟
إنها مأدبة الخراب. مأدبة لا يجتمع فيها إلا من ينسى نفسه، ويغرس مبادئه في وحل الأطماع. هناك تُمنح الألقاب كما تُوزع أوراق الخريف، خفيفةً… باهتةً… تموت قبل أن تلمس الأرض.
أيها الراقصون تحت سماء الزيف… إن من خان نفسه لن يجد مأوى حين تهب عاصفة الحقيقة. ومن تاجر بجذوره، سيقف وحيدًا في العراء، لا ظل يحميه ولا صوت يُنقذه من صمته العميق.
أما الدور التي كانت يومًا أعمدة للمجد، فقد صارت أطلالًا تئن تحت خطى الطامعين. حين تسقط المبادئ، لا يبقى في الساحة إلا الذئاب والفراغ.
أكتب اليوم لأن الصمت خيانة. أكتب لأشهد أن تلك الليلة لم تكن احتفالًا، بل كانت رقصة النهاية… رقصة بلا لحن… رقصة لوداع ما تبقى من حلمٍ كان يومًا كبيرًا…. وللحديث بقية…
فالليل لا يزال طويلًا، والوجوه الممسوخة تزداد عددًا، والأقدام الراقصة لا تدري بعد أنها تخطو نحو الهاوية.