الألباب المغربية/ علال بنور
يتسم الكاريكاتير بقوة الاكتساح في زمن ضيق، بوصوله الى الجمهور القارئ، أكثر من باقي فنون الإبداع الأخرى أو الكتابة الصحفية بكل أجناسها، بل يعد أكثر اختزالا من الكتابة الصحفية في ايصال الفكرة. فهو لم يرتبط فقط بالابتسامة، بل يمتد الى التعبير عن الحزن والرفض والقول بكلمة لا.
فهو يمتاز بسهولة ايصال الفكرة النقدية، لما هو اجتماعي وذهني وسياسي واقتصادي، كما هو دعامة ديداكتيكية للتعبير عن موقف.
لذلك فمجالات التعبير الوظيفي للكاريكاتير، هي سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية، من داخل وخارج أسوار للمدرسة. ولا يمكن الحديث عن ابداع الكاريكاتير، بدون ذكر ناجي العلي وطفله حنظلة. من هنا تطرح بعض الأسئلة:
– هل هو إبداع أدبي أم إبداع صحفي أم هما معنا؟
– ما هي حدود الحرية الممنوحة لمبدع الكاريكاتير؟
– هل من علاقة بين صحفي المقال والخبر ومبدع الكاريكاتير؟
– هل بالضرورة، أن يكون الكاريكاتريست على إطلاع بالثقافة والسياسة والمجتمع والاقتصاد؟
– ما هي حدود التخييل والواقع في الابداع الكاريكاتيري؟
ارتبط فن الكاريكاتير على امتداد وجوده في المجتمع الانساني القارئ بالصحافة، في إطار مجالات متخصصة في فن الكاريكاتير، أو يحتل صفحات في الجرائد والمجلات، يعالج ويفضح المظاهر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهو أداة لفضح المسكوت عنه وتعرية الطابوهات، فهو خطاب ارتبط بالصحافة فاعلا، وله القدرة على توجيه الشعب. لذلك، فالمجتمعات القارئة تدرجه كمادة تعليمية في مقرراتها الدراسية. كما له وقع سياسي لقياس درجة حرارة السلوك الديمقراطي، غير أنه، في المجتمعات ذات الأنظمة اللاديمقراطية، غير مرغوب فيه، ويعد من الممنوعات، فتطوله المحاكمة والمصادرة.
كان فن الكاريكاتير في المغرب من ضمن أدوات التعبير الممنوعة، في ظروف سياسية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ساهمت في حظره، خصوصا أنه ارتبط بالصحافة الورقية، اعتمد على السخرية وتعرية الوضع السياسي والاقتصادي بشكل خجول، خوفا من أن تطاله مراقبة السلطة في الصحف الورقية آنذاك، غير أنه عرف انفراجا نسبيا مع الصحافة الالكترونية خاصة في أزمنة مقاطعة المنتوجات الغذائية.
يرى الأستاذ عبد الله التومي الكاتب المغربي، أن الكاريكاتير يكون فنا حين نلمس فيه الابداع، أي يرسم الفنان رسالة سياسية أو اجتماعية بطريقة تأخذ المتلقي الى طرح السؤال الرئيسي، حول ما يرسله الرسم من رسالة، وبهذا يمكن القول أنه حدث التواصل.
ويرى البعض، أن الكاريكاتير ليس أدبا، فهو فن ملتبس، قد ينزل الى حضيض الواقعية المرآوية المبتذلة، حين ينسخ الموجودات بتشخيص فج. وقد يسمو الى جماليات فنية راقية وعميقة بتوظيف الرمز الايحائي، والمفارقات الدالة على تناقضات الحياة الفردية والجماعية والاشارات الساخرة، ومع استثمار الثقافات في غناها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتاريخيا ونفسيا، بالقبض على الخاص في العام، والعام في الخاص.
إنه فن ضد المديح والتصفيق، لأنه يوقظ في الانسان الأحاسيس، ويوجهه بالسؤال والتأمل. فهو سلاح ضد الديكتاتوريات وأشكال الاستبداد، ولهذا السبب تم اغتيال ناجي العلي، وقطع أصابيع المبدع السوري علي فرزات، الذي كان ينشر ابداعاته بجريدة “الأيام السورية”، كما نشر إبداعه منذ 1970 في جريدة “جيش الشعب”.
وفي المغرب كانت المصادرة والتضييق على الكثير من جرائد الكاريكاتير، التي كانت تخرق الطابوهات السياسية والدينية والجنسية. وما يغلب اليوم على السوق، ليس فن الكاريكاتير، بل صور الإشهار والفضح الرخيص الذي يبتغي البوز وربح المال السريع، بإهانة البسطاء والفقراء والضحك على مآسيهم، بالتركيز على “العروبي” و “الشلح” و”الجبلي “والعيوب الجسدية …بدل نقد الفساد وثقافة التفاهة والتقصير في عمل الحكومة والبرلمان.
يرى الكاريكاتريست عبد الغني الدهدوه أن هناك نوعين من الكاريكاتير، الكثير التعليقات والضعيف التعليقات. ومن رواد الكاريكاتير في المغرب نذكر : العربي بلقاضي الذي يعد من أوائل الكاريكاتير الساخر في المغرب، وابراهيم لمهادي الذي تجاوزت ابداعاته الحدود، نال بها جوائز دولية، كان أهمها جائز عن حرب الفيتنام سنة 1966 وحميد بوهالي الذي تميز في الحكي اليومي، برزت مكانته في السبعينيات فأسس جريدتي “اخبار السوق “و”التقشاب ” فمنعتا منذ 1982، والعربي الصبان الذي اشتغل بجريدة “العلم” في سلسلة بعنوان التنكيت زمن التبكيت كما انجز كاريكاتيرات لفائدة جريدة “القدس العربي” وعبد السلام المريني الذي يعتبر شيخ رسامي الكاريكتيريست ومحمد عليوات المعروف بحمودة وعبد الله الدرقاوي الذي نحث اسمه بالنظر الى ما راكمه من مشاركات وطنية وعالمية، وعبد الغني الدهدوه ومحمد الخو …
وجد هؤلاء الرواد القدماء والجدد فضاء في الصحف، متنفسا للتعبير، فاتخذ الكاريكاتير عندهم أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية، الشيء الذي وجد متابعة واسعة من القراء، ولم يكن ابداعا من أجل الابداع، كما دخل فن الكاريكاتير الى عالم شبكات التواصل الاجتماعي الى جانب الجرائد الورقية، حيث تخصص بعض الجرائد صفحات لذلك. فوجد قبولا لفئات واسعة من القراء.