الألباب المغربية/ يونس المنصوري
قال تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، لكن يبدو أن بعض ساستنا قرأوا الآية بالعكس، أو استبدلوا “الحُسن” بالسّب والشتيمة، فصار خطابهم لعامة الناس لا يخلو من التحقير والتصنيف والوعيد.
مؤخراً، خرج عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بعبارة أثارت عاصفة: وصف فئة من المغاربة بـ”الحمير”. لا مجاز هنا ولا تأويل، بل تصريح مباشر من رجل شغل يوماً منصب رئيس حكومة، يُفترض أن يحترم فيه ذكاء الناس واختياراتهم، لا أن يختصرهم في صورة دابة.
لكن قبل أن نتوقف عند العبارة، دعونا نطرح السؤال الأهم: هل بنكيران هو أول سياسي مغربي ينفلت لسانه؟
الجواب: قطعاً لا. لقد تعوّد المغاربة على خرجات سياسية تشبه “زلازل خفيفة”، فيها من التهديد والاحتقار والنرجسية أكثر مما فيها من النقاش أو الحلول. فَلِمَ إذن قامت القيامة الآن فقط؟ أهو ازدواج في المعايير؟ أم أن بنكيران لا يملك “رخصة الشتم” التي يمتلكها البعض الآخر؟
أنا لا أدافع عنه، بل أضع النقاش في سياقه الأعمق: حين يتحول السياسي إلى “مرشد جماهيري”، لا يرى في خصومه سوى بهائم، ولا في معارضيه سوى غوغاء، فهو لا يفضح أخلاقه فقط، بل يفضح هشاشة المشهد السياسي الذي سمح له بالصعود.
قال أجدادنا: “اللي ما يعرفك، يجهلك، واللي يجهلك يسبك.”
وبنكيران، رغم تاريخه الطويل، لا يزال يجهل أن الشعب لم يعد يبتلع الخطابات البهلوانية، ولا تلك الكلمات “المتوحشة” التي تنطلق وكأننا في حلبة صراع لا في ساحة حوار.
الخطير في هذه التصريحات ليس فقط محتواها، بل ما تكشفه من غياب احترام للمواطن، وانهيار في المعجم الأخلاقي للسياسة.
فمن يشتم الشعب، يُفترض أن يعجز عن خدمته. ومن يرى في خصومه “حميراً”، عليه أن يراجع نفسه: من هو الحمار حينذاك؟ من ينتقد، أم من يعجز عن الإقناع؟
في النهاية، الشتيمة لا تُسقط خصماً، بل تُسقط صاحبها من أعين الناس. والكرسي لا يمنح الحق في احتقار الشعب، بل يُلزِم السياسي بأن يكون خادماً لا سيِّداً.