الألباب المغربية/ أحمد زعيم
في الوقت الذي يفترض أن تسهم فيه وسائل التواصل الإجتماعي في تعزيز النقاش العمومي البناء، تحولت في مدينة الفقيه بن صالح إلى منصة خطيرة لتصفية الحسابات، وتلفيق التهم، وتشويه السمعة عبر حسابات وهمية تختبئ خلف أسماء مستعارة، تدعي الدفاع عن الصالح العام، بينما تخدم في الخفاء مصالح ضيقة، حزبية أو شخصية أو انتخابية.
الأدهى أن هذه الحسابات لا تكتفي بالتشهير، بل تنصب نفسها جهة استخباراتية رقمية، فتشرع في تخمين هويات مشغلي الصفحات الأخرى، مدعية دون دليل أن هذا الحساب لفلان، وتلك الصفحة لخصمه، في مشهد عبثي بات فيه اسم وهمي يتهم اسما وهميا آخر. مشهد لا يخلو من التهكم، لكنه يكشف حجم الإنحدار الذي بلغه الخطاب الرقمي في المنطقة.
وفي الخلفية، ثمة ملفات وأولويات مجتمعية تستحق النقاش والمتابعة، غير أن ما يفترض أن يكون نقاشا جادا أو تحقيقا نزيها حول قضايا الساكنة ومشاكلها، يُختزل في معارك إلكترونية عبثية تقودها جيوش وهمية توزع التهم جزافا وتصفي الحسابات باسم النزاهة، فتُحجب الحقائق، ويُعمق الإنقسام.
الأخطر أن بعض هذه الحملات تدار بشكل غير معلن من أطراف حزبية، انتخابية، جمعوية أو موالية، تسعى إلى التستر على إخفاقاتها، وتلميع صورتها، بل وتتخذ من هذه الحسابات وسيلة لإنتزاع مصالح خاصة تحت التهديد، أو لترهيب المنافسين والمنتقدين والنيل منهم، كل ذلك عبر منابر رقمية تفتقد للمصداقية والمهنية، لكنها تحظى بمتابعة الآلاف بسبب الإثارة، والإخلال بالحياء، والسب، والشتم، والتشهير. ما يهدد الثقة العامة ويقوض أسس الحوار الديمقراطي، في وقت تحتاج فيه المدينة إلى وعي جماعي، ونقاش نزيه، ورؤية واضحة أكثر من أي وقت مضى.
ولا بد من التذكير بأن التشهير ليس حرية تعبير، والتخمين لا يُغني عن الدليل، وأن الإتهام من خلف أسماء مزيفة يُعد جريمة يعاقب عليها القانون المغربي، خصوصا في ظل قوانين صارمة لمكافحة الجريمة الإلكترونية، وضرورة صيانة كرامة الأفراد، وتحصين النقاش العمومي من العبث.
إن ما يجري اليوم لا يمكن تصنيفه كجدل سياسي أو نقاش عمومي صحي، بل هو انحراف رقمي خطير يجب أن يواجه بيقظة قانونية، ووعي مواطناتي، وتحصين مؤسساتي صارم، لأن لا بناء لأي مجتمع على أساس التخوين، والتخمين، والإفتراء، حتى وإن بدا صوته عاليا، فهو في النهاية صوت فارغ من مضمون نزيه.
وفي مواجهة هذا الواقع المقلق، تبرز الحاجة إلى حلول عملية وتدابير استباقية للحد من هذه الظاهرة، عبر مراقبة فعالة، وتوعية متواصلة، وتطبيق صارم للقانون في حق كل من ينشر المغالطات ويعبث بأخلاقيات الفضاء الرقمي، حفاظا على نقاء النقاش العام، وسلامة النسيج المجتمعي، واحترام كرامة الأفراد داخل المدينة.