الألباب المغربية/ ذ.محمد خلاف
وباء السلطة؛ ووباء جمع الغنائم؛ ووباء الكراسي؛ أكبر إعتلال في المدينة، إذ تبدو كغابة بلا قوانين؛ يحكم فيها الأقوى؛ دون ضمير حي، سوى هم ووحل الدنيا وزيفها. لأن الإنسان دوما في صراع أبدي مع عقدة النقص المزمنة في ذاته؛ سعيا إلى أنا متعاظمة لديه؛ وخلود وقوة وكمال مزيف؛ وقد يسلك طرقا عديدة للوصول؛ وليس أوضح من ذلك صورة ذلك السياسي اللاهث وراء المال؛ حيث تتشكل لديه برغماتية؛ ماكيافيلية خطيرة في تحالف خطير بين السلطة والمال؛ والانتخابات لدى الغالبية العظمى؛ ولدى طبقة متعددة بالمدينة وسيلة اغتناء؛وانجراف وراء حسابات بنكية بأصفار مغرية؛ ليس إلا.
في المدينة: الانتخابات فيها دون تأطير ولا تنظير لبرامج الأحزاب، فقط في نظرهم المواطن رقم انتخابي تنتهي صلاحيته مع نهاية يوم التصويت.
في مدينة الولائم؛ والصفقات والحفلات؛ والانتهاكات؛ وموائد النبيذ الأحمر؛ والدعايات المضحكة والكاذبة؛والمنافسات غير الشريفة.
في مدينة يظهر فيها سنويا وفي كل فج وحي ودرب (دون كيشوت) واثق من نفسه؛ راكبا جوادا عاثرا لإيهام الناس بمستقبل باسم؛ بعورة مكشوفة؛ وأهداف شخصية بادية للعيان.
في مدينة بها أناس مخدوعة بنفسها عكس صورتها الحقيقية؛ تحاول قسرا بيع جلد الضباع؛ في حديث مستمر عن شجارات؛ وصراعات؛ وتلاسنات؛ حول غنيمة البلدية والتي تضم أحيانا أصحاب فضائح؛ ونفوذ؛ ومصالح…
في مدينة يفتتح دوما المزاد في سوق الترشيحات للبيع والشراء والمقايضات بهدف حرق المسافات للوصول إلى حصانة فوق القانون؛ وامتيازات محمية؛ ومعاشات مهمة؛ هي أحلام طبقة تتاجر بالمدينة والوطن والمواطنة؛ رغم الرسائل الأخيرة والواضحة من المواطن عبر عزوف ملموس؛ أفرز صناديق فارغة؛ رسائل لإعادة النظر في شخصيات مملة، رسائل للاستماع إلى نبض الشارع؛ والاهتمام بهموم المواطن؛ وفتح مقرات الأحزاب قصد التأطير والتوعية والنقاش كما كان يقال في حملاتهم الكاذبة؛ وهو ماجعل ناس المدينة أكثر تلاحما؛ وأكثر حيطة ممن ينشر الأوهام؛ ويسعى للانقضاض على أموالهم؛ فالواجب يدفعنا دفعا إلى محاكمتهم ولو صوريا لعدم تكرار نكسات الماضي، ومن هنا يبدو السؤال المنطقي من يستحق أن يسير هذه المدينة بعد اعتقال الرئيس؟ هل الأسماء الرنانة التي ضحك بعضها علينا جميعا وحمل وعودا وآمالا ذهبت أدراج الريح بمجرد إعلان فوزه بمقعده؟ أم أن الأسماء الجديدة قد تتمتع بالمصداقية والأمانة… وقد تدعمها في الخفاء قوى مشبوهة لايهمها مصلحة الوطن بقدر مصلحتها الخاصة؛ أم أن هناك عناصر فعلا صادقة همها خدمة المدينة بصدق ومسؤولية؟ فهل بات المواطن العميري قادرا على عدم تكرار صفحات الماضي؟ وبات يعلم من ينتخبه للتسيير بعدل…
لاربعا تحتاج إلى كفاءات علمية ومصداقية تعكس طموحات المواطنين بفعالية؛ ونبذ أصحاب الشكارة عديمي السجل النضالي؛ وأصحاب المآرب الذاتية والباحثين عن امتيازات وحصانة؛ لأنهم فقط معاول تهدم كل الجهود التي تبذل لتحفيز المواطنين خاصة الشباب على الإنخراط في السياسة؛ هدفنا تحويل المدينة إلى ورشة عمل مفتوحة سعيا لحلول ناجعة للملفات الجامدة والمشكلات المحلية؛ دون تأثير للمال الأسود في السلطة؛ وتأثير للسلطة فيه؛ ولأن التجارب علمتنا أن زواج المال بالسلطة أساس كل الشرور بلاربعا؛ فسلطة المال، كما سلطة الحكم؛ لا تعرف الأمان العاطفي؛ يحتاج صاحبها أن يفلس ليختبر قلوب من حوله؛ وأن تنقلب عليه الأيام ليستقيم حكمه على الناس؛ فالمدينة جاوز الظالمون فيها المدى؛ في استغلال بشع لثلاثية السلطة والمال والأيديولوجيا؛ وأصبح الغباء ليس عائقا للمشاركة في التسيير؛ وأصبحت الخيانة بها وجهة نظر؛ بل وصل بعضهم حد الإستحواذ، وهو مصطلح جديد لدى البنك الدولي لتحليل المنظومة المتطورة للفساد في الدول والمدن؛ كل هذا يدفعنا للإصرار عن البحث عن تسيير راقي الشكل والمضمون ومحترم النتائج والإجراءات؛ دون فتح المجال للرأسمالية الجشعة؛ ولا لتجار وسماسرة الضمائر لتلطيخ العملية الديمقراطية بلاربعا بوحل جشعهم؛ واستخفافهم بكرامة المواطن بالمدينة؛ واستغلال حاجات الناس واللعب في الساحات الخلفية؛ والمناطق المظلمة مستغلين فقر الفقراء؛ وبساطة البسطاء؛ بلاعبين محترفين يتقنون النفاق وقلة الحياء؛ يجولون ويتجولون؛ يبتسمون؛ يسلمون؛ يلتقطون الصور؛ يتصدقون؛ يصلون؛ يحضرون الأفراح والمآتم؛ ويتكلفون بالمصاريف؛ يوزعون المال والسلع… فالعبرة بخدمة المدينة وناسها، لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض أما الزبد فيذهب جفاء كجميع الديماغوجيات الرثة والوعود الكاذبة؛ مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم؛ والله لا يهدي القوم الظالمين) صدق الله العظيم.
ولأن لاربعا ليست نقطة في خريطة المغرب؛ وإنما هي إنتماء تشدنا إليها؛ فيها تنغرس جذورنا؛ ولها تذوب ذواتنا؛ مصلحة المدينة تدعو ألا نلتفت إلى الخلف ولا ننظر إلى الوراء؛ لأن الريح تتجه إلى الأمام؛ والماء ينحدر إلى الأمام؛ والقافلة تسير إلى الأمام؛ فلا مخالفة لسنة الحياة؛فلاربعا تحاول دوما أن تخفي عن الجميع دمارها الداخلي. كان يلزمها إعادة إعمار شامل؛ كأنّها مدينة مرّ بها هولاكو، فأهلك كلّ ما كان جميلاً فيها. عزاؤها أنّها استطاعت أن تنقذ من الدمار كرامتها… وذلك الشيء الذي لم تمنحه إيّاه. نتمنى أن تستيقض من أحلام منتهية الصلاحيّة، كأنّ شيئًا ممّا حدث لم يحدث. لقد عاشت سنوات مأخوذة بألاعيب ساحر ماكر. كؤلئك السحرة الذين يخرجون من قبّعاتهم… حَمامًا… وأوراقًا نقديّة. لكن لا الحمام يمكن الإمساك به، ولا الأوراق النقديّة صالحة للإنفاق. لقد تركوا لها ثروة من الذكريات الأليمة.. بينما كانت تتوقّع المسكينة مشاريع حياة ورقي.