الألباب المغربية/ محمد خلاف
ستظل ثانوية بئر انزران أروع الأماكن وأقربها إلى قلبي؛وأجملها على الإطلاق، غادرتها بقدمي لا بقلبي؛ سأظل أحن إليها حنين الطيور لأوكارها؛ حاضرة في الزمان والمكان؛ في الحلم وفي اليقظة؛ وفي الهواء الذي أتنفسه؛ علمتني مبادئ الحياة الأساسية؛ ومنها انطلقت إلى العلياء بقوة وصلابة، إنها نخلة باسقة لأشياء جميلة ليس تعود؛ونبع للخير؛ وصرح من صروح الثقافة بالمدينة؛ بها درسني أساتذة سيبقون في الذاكرة وبين حنايا الوجدان؛ هم في القلب على مر الزمان؛ رغم طول البعد وقلة الوصال؛ أساتذة تركوا في المكان ذاكرة مشتعلة بالصور والمشاهد والمعاني الجميلة؛ والخصال النبيلة؛ والصفات الأصيلة، أساتذة تأثرت بهم؛ لهم هبة إلهية بحضور شخصياتهم مقارنة مع غيرهم؛ لازالت كلماتهم تصدح في أرجاء قلبي؛ وبصماتهم تابثة على جدار المرايا وأواني الزهر؛ في زمن كان يعبق فيه السلام والإنسجام مع جيل جميل رضع حب الآخر مع حليب الأم؛ جيل رفع فيه النشيذ الأخلاقي عاليا؛ أساتذة لهم مني كل معاني الحب والتقدير؛ يساوي حجم عطائهم اللامحدود؛ صنعوا أجيال؛ زرعوا فينا قيم الحرية والقيادة؛ والإيثار؛ أعادوا للمتخادل منا معنى الحياة والأمل بكلمة طيبة محفزة؛ فانطلق وأصبح من أنجح أبناء جيله؛ علمونا أن الأستاذ هو الشخص الوحيد الذي يجعلك لا تحتاج إليه تدريجيا؛ وأن الذي يجاملك هو عدوك؛ والذي يلومك هو معلمك؛ علمني حدو وملاك وأكلاز حلاوة اللغة العربية؛ لغة الضاد والإعجاز؛ والفصاحة واللسان المبين؛ ومنهجيات التحليل الأدبي؛ وأنواع الشعر العربي ورواده؛ ومتعته وعلاقته بالحقيقة والحكمة؛ والدين والأخلاق؛ علموني أصول النقد العربي وقضاياه؛ علمني المرحوم الرايس وٱيت تفوغالين ونجيب لذة التاريخ؛ وأن الأمة التي تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها؛ وأن لا ثقافة بلا جغرافيا؛ ولا سياسة بلا جغرافيا؛ لا اقتصاد بلا جغرافيا؛ ولا عمران بلا جغرافيا؛ علمني الأستاذ العمري أصول الفلسفة؛ وأن الفلسفة هي فن التحدث عن التفاحة بدل أكلها؛ علمني المرحوم بومهدي وٱيت ايطو وبوفال والصغير جمالية وأصول وأحكام اللغة الفرنسية والإنجليزية؛ وضرورة تعلمهما؛ علموني أن من يعرف لغات عديدة يعيش العديد من الحيوات بقدر اللغات التي يعرفها؛ علمني الغربي أن الرياضة هي تربية النفوس قبل إحراز الكؤوس؛ علمني أساتذة أجلاء أن أعظم الكرامة لزوم الإستقامة؛ علموني توزيع الإرث بطريقة علمية؛ لهم قاطبة مني أجمل التحايا ؛كان ضميرهم حيا تجاهنا جميعا كوسادة ناعمة؛ أراحوا ضميرهم وعاشوا سعداء؛ حقا كانوا يدركون أن الضمير بألف شاهد؛ هؤلاء وآخرون أبدعوا في فضاء ثانوية بئرانزران؛ كانوا يدركون أن الإبداع لا وطن له؛ صدقا كانوا أكثرا وعيا؛ وأكثر مسؤولية؛ عاشوا سالمين محبوبين بيننا والقول فيهم جميل؛ عشقوا التدريس وأتقنوه فوجدوه أمتع من اللعب؛ وحق فيهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم* (*ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طيرا أو انسان أو بهيمة؛ إلا كان له به صدقة*).