الألباب المغربية/ يونس المنصوري
في عصرٍ تُستبدل فيه القيم الإسلامية الأصيلة بالمظاهر الزائفة، وتشهد فيه المجتمعات العربية والإسلامية تراجعًا على مختلف الأصعدة، تبدو الحاجة إلى العودة إلى الجذور ملحة أكثر من أي وقت مضى. الأسرة، الأخلاق، التعليم، والثقافة أصبحت ساحةً لصراعات بين ما يجب أن نكون عليه وبين ما نحن عليه الآن، وهو وضع يهدد هويتنا ومستقبلنا الحضاري.
- الأزمة الأسرية: انهيار اللبنة الأولى
الأسرة، التي كانت أساس بناء المجتمع الإسلامي، تعيش اليوم أزمة حقيقية. أصبحت العلاقات الأسرية سطحية، تحكمها المصالح المادية والضغوط اليومية. تفككت الأدوار داخل البيت، ولم تعد التربية مسؤولية مشتركة، بل انتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، التي كثيرًا ما تروج لأفكارٍ بعيدة عن تعاليم الإسلام.
في زمن النبي محمد ﷺ، كانت الأسرة مدرسة تغرس القيم الأخلاقية والدينية في الأبناء. كانت الأم رمزًا للعطاء والتضحية، والأب مصدر الحكمة والقيادة. اليوم، تراجع هذا الدور أمام نماذج دخيلة تُروّج للفردية والأنانية.
- الأخلاق: من مكارم إلى مظاهر
الأخلاق التي كانت عنوان المجتمع الإسلامي أصابها التآكل. الحياء الذي قال عنه النبي ﷺ: “الحياء شعبة من الإيمان” تراجع أمام ثقافة الجرأة المفرطة. الكذب والنفاق باتا أدوات لتحقيق النجاح، بينما غاب الصدق والإخلاص في التعاملات اليومية.
المجتمع اليوم يُعلي من شأن المظاهر على حساب الجوهر. أصبح النجاح يُقاس بالمظهر الاجتماعي أو الشهرة، دون اعتبار للقيم الأخلاقية أو المضمون. أين نحن من القيم التي دعا إليها الإسلام، مثل الصدق، الإيثار، والرحمة؟
- التعليم: من بناء العقول إلى صناعة التبعية
كان التعليم في الماضي الإسلامي وسيلة للنهوض بالمجتمع، وإعداد العلماء والقادة الذين يحملون رسالة الإصلاح. من الخوارزمي إلى ابن سينا، ومن الشافعي إلى ابن خلدون، كانت العلوم الإسلامية تقود العالم في الابتكار والمعرفة.
أما اليوم، فقد أصبح التعليم مجرد وسيلة للحصول على شهادة أو وظيفة. تغيب القيم التربوية عن المناهج، ويُترك الشباب بلا رؤية أو هدف، مما يجعلهم عرضة للتأثر بثقافات دخيلة لا تمثل هويتهم.
- الثقافة والفن: بين الرقي والانحدار
الثقافة والفن، اللذان كانا أدوات تعبير عن هوية الأمة الإسلامية، أصبحا اليوم مسرحًا للتفاهة والانحطاط. الموسيقى الهابطة والأعمال الفنية السطحية غزت المجتمعات، تُروّج لأفكارٍ تهدم القيم بدلاً من بنائها.
في العهد الإسلامي الذهبي، كان الأدب والشعر وسيلة للتعبير عن قضايا الأمة وتعزيز الهوية. كان الشعراء مثل المتنبي يُلهمون الأجيال بمفاهيم العزة والكرامة، أما اليوم، فأصبحت الثقافة أداة للترويج للاستهلاك والفراغ الفكري.
- نموذج من الماضي: العدل في زمن عمر بن عبد العزيز
في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز، كانت القيم الإسلامية في صلب الحكم والإدارة. عُرف بعدله وحرصه على تحقيق التكافل الاجتماعي. أعاد توزيع الأموال على الفقراء، وفرض العدل بين الرعية دون تمييز. كانت هذه القيم كفيلة بإحياء روح التضامن داخل المجتمع، وجعلت من خلافته نموذجًا يُحتذى به.
- الحل: العودة إلى القيم الإسلامية
إن الخروج من هذا الانحطاط يبدأ بالعودة إلى القيم الإسلامية التي جمعت بين الأخلاق والعلم والعمل. يجب أن نعيد للأسرة دورها كمصدر رئيسي لتربية الأجيال، وأن نرسخ القيم الأخلاقية التي تُعيد بناء الإنسان. كما يجب إصلاح التعليم ليكون وسيلة لتنشئة أجيال واعية تحمل مسؤولية النهوض بالمجتمع.
الثقافة والفن أيضًا بحاجة إلى إصلاح شامل. نحن بحاجة إلى محتوى يعبر عن هويتنا الإسلامية، ويُبرز قيمنا الحضارية، بدلاً من الترويج للتفاهة التي تقتل روح الأمة.
الإسلام منهج حياة
القيم الإسلامية ليست مجرد شعارات أو طقوس، بل هي منهج حياة شامل يعالج مشاكل الإنسان والمجتمع. العودة إلى هذه القيم ليست خيارًا، بل ضرورة لإحياء أمة تملك تاريخًا عظيمًا وتراثًا غنيًا.
إذا أردنا أن ننهض، علينا أن نبدأ من أنفسنا، بتجديد الالتزام بالإسلام كمنهج أخلاقي وفكري، والعمل على بناء مجتمع يحمل رسالة الخير والعدل. الإسلام هو الأساس الذي يمكن أن يُعيد لنا قوتنا وهويتنا، ويضعنا مجددًا في موقع الريادة بين الأمم.