الألباب المغربية/ حبيل رشيد
“من لا يملك نفسه… لا يملك شيئاً” – سقراط
هناك قوّة خفيّة لا تُرى… لكنها تُشعرك بأنك أكبر من انفعالك… وأسمى من غضبك… تلك ليست سلطة المال… ولا سلطة الجاه… بل هي أعظم سلطة يمكن أن يمتلكها إنسان… سلطة الرجوع خطوة إلى الوراء… سلطة التريّث… سلطة أن تقول في أعماقك: لماذا أشعر بهذا؟… ولماذا أسمح له أن يقودني؟
إنها القدرة على التراجع من داخل العاصفة دون أن تفقد دفء المشاعر… أن تتأمل ما جرى دون أن تتنكر لإنسانيتك… أن تطرح على نفسك السؤال الذي لا يطرحه أحد في لحظة الغضب: “لماذا أغضب؟ وما مصدر هذا الغضب؟”…
كلّ ما في الأمر… أنك تتعلّم أن تُنصت لعقلك وسط ضجيج عاطفتك… أن تنظر إلى انفعالك كما ينظر العالم إلى النار… لا ليُطفئها فوراً… بل ليتأمل كيف اشتعلت… من أين أتت شرارتها الأولى… وأين وضعت وقودها…
ليس المقصود أن تُخمد نارك أو تكبتها… فالقمع ليس تحكماً… والسكوت ليس حكمة… بل أن تدع العاطفة تمرّ فيك كما تمرّ موجة البحر… تلامسك… تهيّجك… ثم تنحسر… دون أن تكسرك…
إنها مسافة صغيرة جداً… بين من يُستعبد بانفعاله… ومن يراقب انفعاله من علٍ… مسافة بين ردّ الفعل… والفعل الواعي… بين من تُحرّكه الظروف كريشة في مهبّ الريح… ومن يختار اتجاهه في قلب العاصفة…
كلّ ما تحتاجه هو تلك “النصف خطوة” أو “الخطوة الكاملة” إلى الوراء… خطوة الوعي… خطوة السؤال… خطوة النور الخافت الذي يخرجك من سجن اللحظة إلى فضاء الإدراك…