الألباب المغربية/ ياسين بالكجدي
تمر السنوات بسرعة خاطفة، تأخذ معها أجزاءً منا وتمنحنا أخرى، حتى نصبح في كل مرحلة نسخة مختلفة عن ذواتنا السابقة. نحن لا نعود كما كنا، ليس لأننا نريد ذلك بالضرورة، ولكن لأن الحياة تفرض علينا التغيير، سواء أدركنا ذلك أم لا. الظروف التي نعيشها، الأشخاص الذين نلتقي بهم، التجارب التي نخوضها، جميعها عوامل تساهم في تشكيل ملامحنا الداخلية وتعيد ترتيب مفاهيمنا وأولوياتنا.
في بداية الحياة، نكون أبرياء، نحمل في قلوبنا تفاؤلًا نقيًا، ونرى العالم من زاوية مثالية. لكن كلما تقدم بنا العمر، نجد أنفسنا نصطدم بواقع لم نكن نتصوره. نخسر أشخاصًا كنا نظنهم سيبقون معنا للأبد، ونتعلم أن الوعود قد لا تُحفظ، وأن المشاعر ليست ثابتة كما كنا نظن. نصادف تحديات تضعنا أمام اختبارات حقيقية، تُجبرنا على التأقلم، على تغيير نظرتنا للأشياء، وحتى على إعادة بناء أنفسنا من جديد.
دعواتنا تتغير مع الزمن، ففي صغرنا ندعو لتحقيق الأمنيات البسيطة، لكن مع مرور السنوات، نصبح أكثر وعيًا، وندرك أن السلام الداخلي أهم من أي شيء آخر. نبدأ بالدعاء للطمأنينة، للراحة، ولوجود أشخاص صادقين في حياتنا. حتى الأشخاص الذين نضعهم في مقامٍ عالٍ قد يتغيرون، بعضهم يسقط من حساباتنا، وآخرون يحتلون مكانة لم نكن نتوقعها.
ورغم قسوة التغيير أحيانًا، إلا أنه ضروري. هو الذي يجعلنا أكثر نضجًا، أكثر قوة، وأقدر على مواجهة ما هو قادم. قد نشعر بالحنين لما كنّا عليه، لكننا ندرك أن كل ما مررنا به صنع منا أشخاصًا أكثر وعيًا. ربما تغيرت قلوبنا، وربما أصبحنا أكثر حذرًا، لكننا حتمًا تعلمنا كيف نحمي أنفسنا من الألم، وكيف نختار من يستحق أن يكون جزءًا من حياتنا.
هكذا هي الحياة، لا تسمح لنا بالبقاء في مكان واحد، بل تدفعنا دائمًا للأمام، نحو نسخٍ جديدة من أنفسنا، حتى نصل إلى مرحلة ندرك فيها أن كل ما مررنا به لم يكن عبثًا، بل كان جزءًا من الرحلة التي تجعلنا نحن، كما نحن الآن.