الألباب المغربية/ حفيظ صادق – الصويرة
في قلب المدينة العتيقة للصويرة، ينبض مسجد القصبة بتاريخه العريق وتراثه العتيق، حيث تتجسد أروقته المليئة بأسرار العلم والمعرفة.
يعود تأسيس هذه المدرسة الجامعية إلى العلامة الكبير والسلطان العظيم سيدي محمد بن عبد الله، وكانت أبوابها مفتوحة على ساحة القصبة، ترحب بالباحثين والطلبة من كل ربوع المملكة.
تنقسم المدرسة إلى فصلين، أحدهما ما زال قائما يشهد على عظمتها، في حين أغلق باب الآخر، وتحولت آثاره إلى ذاكرة ممزقة بأيدي التلاشي والتخريب. ورغم مضي عقود على إغلاقها، إلا أن بصماتها لا تزال حاضرة في ذاكرة المدينة، حيث تحولت إلى كراج يحتضن ذكريات الماضي ويعكس روح الحاضر في معرض لبيع المنتوجات المختلفة وحوانيت تجذب الزوار من كل مكان.
كانت المدرسة تتضمن مناهج دراسية شاملة، تمتزج فيها العلوم الشرعية باللغة والأدب والفلك والحساب، فكانت تضمن لطلبتها النجباء من البوادي منحا لمواصلة دراستهم وتطوير معارفهم. ومن بين مواد التدريس كان القرآن والتفسير، والحديث النبوي، والسيرة النبوية، إلى جانب دروس اللغة والأدب التي شملت أهم الأعمال الأدبية واللغوية في التراث العربي.
ولم تكن المدرسة مجرد مكان للتعليم، بل كانت مركزا لنقل العلم والفكر، حيث كان التركيز على المذهب المالكي الذي يعتمد على النص والنقل، مما جعلها تتفق وتنسجم مع المزاج الفكري للمغاربة الذين يفضلون البساطة والوضوح في المعتقدات والعقائد.
ومع رحيل الأيام وتلاشي آثار المدرسة، يبقى لمسجد القصبة العتيق شاهدا على عبقرية العلماء وجهودهم الجبارة في نشر العلم والمعرفة.
فالطلبة الذين تخرجوا منها استمروا في مسيرة التعليم، سواء كمعلمين في الزوايا والمساجد، أو كأئمة في البوادي والمدن، مما أكسبها مكانة خاصة في قلوب الناس.
في نهاية المطاف، تبقى المدرسة العتيقة لمسجد القصبة ليست مجرد مكان تعليمي، بل هي تجسيد لروح العلم والمعرفة التي لا تزال تحتضنها أرواح الباحثين والمتعلمين، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من تاريخ المدينة وموروثها الحضاري الذي يجب الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال القادمة.