الألباب المغربية/ أمنية الادريسي
ونحن متفقون على أن ما تعتبره الجزائر انتصارا، ليس سوى شطحة من شطحاتها المألوفة التي لا تعبر سوى عن مدى قوة المغرب وكثرة انتصاراته، فأن يرقص الجزائريون بتلك الهستيريا، أن يتبادل الرجال والنساء القبل على مرآى الحاضرين وعدسات الكاميرا، أن يصرخ بعضهم بجنون، حتى حولوا مقر الاتحاد إلى سوق “فولكلوري” يعج بالضجيج، فقط بسبب انتخاب نائبة لرئيس المفوضية، مقابل انتخاب المغرب لرئيس فتحت دولته قنصليتها بأقاليمنا الجنوبية، فهذا ليس دليلا سوى على ضعف نظام عسكري لم يصدق فوزا صغيرا في معركة صغيرة جدا وسط حرب تدل كل مؤشراتها أن النصر الكبير حليف للمغرب.
نحن نتحدث عن مؤشرات ملموسة، ولا سبيل هنا للتذكير بمكاسب لا تعد ولا تحصى، حصدتها الديبلوماسية الرسمية منذ عودة المملكة الشريفة إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، بفضل عبقرية وحكمة ملك عظيم، وعمل جبار قام به رجالات الوطن العظام وعلى رأسهم “السي ياسين” و “السي بوريطة” وغيرهما كثير.
أن تصاب صحافة “الكابرانات” بالجنون، أن تضخم “مكسبا ميكروسكوبيا” وسط عظمة الانتصارات المغربية، أن تهاجم المغرب وتطبل لأسطوانتها وتقلل من شأن ديبلوماسيتنا القوية، أمر عادي جدا بالنسبة لنظام لم يعد له سلاح يواجه به الهزائم الكثيرة داخليا وخارجيا، سوى ببروباغندا بئيسة موجهة لاستهلاك الأغبياء والمغلوبين على أمرهم.
لكن أن يردد بعض من صحافيينا صدى صراخ وهستيريا وهم الجزائر فهذا شيء آخر، لا يليق بما ننتظره منهم من ذكاء وحكمة ورباطة جأش، فما بالك ببعض ممن يشكك في نجاعة الديبلوماسية الوطنية ومكاسبها العظيمة التي يشهد بها العدو قبل الصديق، يصنعون الفرصة لصحافة بئيسة تحاول استثمار “الوهم” لسد ثقبة من ثقوب كثيرة على سفينة نظام متهالك أَلِفَ الانتكاسات، من أجل تعزيز بروباغنداها الموجهة لاستهلاك شعب تم تفقيره لفائدة أداء الرشاوي لبعض الأنظمة الإفريقية الفاسدة، لدعم أسطوانة الانفصال.
موقع من المواقع المعروفة بعدائها الشخصي لبوريطة، يحاول استغلال الفرصة بخبث، لتصفية حسابات صغيرة لا يعلم بها الوزير نفسه، على حساب موضوع سيادي يتعلق بمجهودات وطنية لوأد أجندات العداء والانتصار لقضيتنا الوطنية الأولى. المقال الذي استغله الذباب الجزائري معنون ب”فوز الجزائرية بنائبة مفوض الاتحاد الأفريقي أو كيفاش فشل بوريطة فتوطيد دكشي اللي دارو سيدنا فافريقيا وها علاش خاصو يتحاسب”، عيب أن نعتبر ما وقع فشلا لأن الفشل يكون في الحرب وليس في معركة من المعارك، عيب أن نلصق بالوزير تهمة ثقيلة تتعلق بإفشال “دكشي اللي دارو سيدنا” الله ينصرو، لأن دكشي اللي دارو سيدنا قوي وكبير وعظيم ولا يمكن إفشاله من طرف أي كان، وخصوصا إذا تعلق الأمر بتأويل خاطئ ل”غدر” تعرض له المغرب من طرف دول انتصرت للأموال الباهظة التي دفعتها “المرادية”، في محطة صغيرة يجب علينا استعمال أدق منظار ميكروسكوبي لنحس بها وبنتائجها، دون الحديث عن غياب دول صديقة عن عملية التصويت.
أما عن المحاسبة، إذا افترضنا أننا نوافقه الرأي، فهي تكون وفق تقييم شامل للأداء، لأنه من الغباء أن نحاسب ملاكما قويا انتصر في 100 نزال وانهزم في نزال واحد (اذا افترضنا أنه فعلا انهزم فيها، وهذا غير صحيح في سياقنا).
لا يهمنا شخص بوريطة، ما يهمنا هو الوطن وإقرار مكاسبه وانتصاراته ودعم سياستنا الخارجية المكرسة لسيادتنا. وحتى إذا أردنا أن نحاسب الشخص الذي ينفذ التعليمات العبقرية والحكيمة لجلالة الملك حفظه الله، بوفاء، فمرحبا، لكن من خلال تقييم شامل.
التقييم الشامل يبرهن على قوة الرجل وفريقه، على أدائه المتين الذي ساهم، على ضوء التعليمات الملكية السامية دائما، في نيل مكاسب عظمى لصالح قضيتنا الوطنية، وما على الصحافي ومن يسير على نهجه، سوى العودة إلى محطات لا تحصى حاصر فيها المغرب الجزائر والبوليساريو داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، إلى عدد الدول التي كانت قبل 2017 داعمة للبوليساريو لتصير الآن داعمة للمغرب، إلى عدد القنصليات التي فتحت بالأقاليم الجنوبية (30 منها لدول إفريقية)، وإلى مكاسب لا تعد ولا تحصى.
أما إذا أردنا محاسبته هو على أدائه المهني بمعايير الصحافة الحقيقية، فسيكون الأمر مؤلما جدا، لأن صحافة الفضائح والبروباغندا والتفاهة أيضا تسيء لمكتسبات المغرب ديمقراطيا وقيميا، تسيء لمهنة أساسها الرأي والرأي الآخر، توازن الخبر، التأكد من مصداقية المعلومة، والابتعاد نهائيا عن الشخصنة. إذا قرأنا بعض المقالات القديمة المعنونة ب “الوزير اللي كتعقدوا المرأة القوية”، سنتأكد أننا أمام أي شيء سوى أن يتعلق الأمر بالصحافة، مع الإشارة هنا إلى أن المقال الجديد الذي نحن بصدد الرد عليه، يقلل من شأن امرأة وطنية تدرجت في سلم المسؤوليات، بعلاقات متشعبة وقوية إفريقيا ودوليا، تقلدت منصب كاتبة الدولة في الخارجية، ثم سفيرة، قبل أن يعينها جلالة الملك على رأس الهاكا.
هل الأمر هنا يتعلق باحتقار للمرأة عموما، أو محاولة فاشلة لنسج رواية تتماشى مع هوى الكاتب الذي شخصن كل شيء، مستغلا هامش الحرية لتصفية الحسابات التي لا يعلم بتفاصيلها سوى هو أو من وراءه. ثم هل الدول تصوت على الدول أم على الأشخاص، فلتكن أخرباش أو غيرها، فالأمر يتعلق بفريق به عشرات الأطر الوطنية الكفؤة. إن التشكيك في كفاءة اخرباش لا يصدر سوى عن جاهل بمسارها.
يقول المقال “سعى الكثير ممن يطلقون على بوريطة لقب “مول المقص”، للتخفيف من حدة فوز نظام العسكر الجزائري بالمنصب…”، هل نحن فعلا أمام صحافة وطنية تنآى بنفسها عن خدمة أجندات الجزائر وإعادة إنتاج نفس بروباغندا المرادية أم ماذا؟ نحن نتساءل. الصحافي المعني استرسل قائلا “للتخفيف من حدة فوز…”، هل هذا السقوط الخطير يليق بجزء من صحافتنا، سقوط التقطته للأسف، بروباغندا المرادية واستثمرته لصالحها ضد مصالح الوطن، أين ذكاء و حكمة صحافيينا؟
على صحافتنا التمييز بين “تصفية الحساب الشخصي” والإساءة لسياسة خارجية مهمتها الأولى حماية السيادة الوطنية والدفاع عن مصالح الوطن. عليها أن تفهم أن إسناد
بروباغندا الجزائر لا يمكن أن يعتبر عملا صحفيا، وتبخيس مجهودات الدولة التي يشيد بها العالم أكمل، باعتبار “إفشالها” من طرف الوزير بمجرد حدث هامشي بسيط، هو أمر يدل على قلة الذكاء وسوء التقدير لصحافة تصاب بالعمى كلما تعلق الأمر برجل له معها حساب شخصي غير معروف.
المغرب بالنظر إلى مكاسبه العظيمة في إفريقيا، منتصر دائما على أعدائه، في الميدان، حتى ولو استغل العدو غياب 6 دول صديقة للمغرب، وجشع بعض الدول الإفريقية الفاسدة، لأن الأمر في النهاية لا يتعلق بتراجع دول عن تأييدها لمغربية الصحراء ولا بانتصار لأطروحة الانفصال. الرهان والتحدي الحقيقي هو استدامة النفوذ الإفريقي لصالح قضايانا، وليس التركيز على حدث هامشي صغير.
وغير هذا وذاك، لابد أن نشيد بالعمل الجبار لرجالات الدولة من أجل مجد الوطن. إذا منعتنا حساباتنا الشخصية من الاعتراف لهم بالكفاءة والنجاعة التي يشهد بها العالم، على الأقل فلنصمت، وذلك أقل الإيمان.