الألباب المغربية/ الحسين محامد
تحولت قضية أستاذة اللغة الأمازيغية بمدرسة ابن رشد بمديرية بولمان إلى مواجهة نقابية علنية بين النقابة الوطنية للتعليم (CDT) والنقابة الوطنية للتعليم (FDT)، حيث تبادل الطرفان بيانات متناقضة: الأولى تتحدث عن ترهيب وتعسف ضد الأستاذة، والثانية تساند الإدارة التربوية للمؤسسة وتؤكد احترامها للقانون، غير أن جوهر الأزمة يتجاوز هذا السجال النقابي، ليكشف هشاشة الوضع القانوني والمؤسساتي الذي يعيشه تدريس الأمازيغية بالمغرب.
فرغم مرور أكثر من عقد على ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، ما تزال الوزارة الوصية عاجزة عن إصدار مذكرات واضحة وقوانين تنظيمية دقيقة تضبط مهام أساتذتها. هذا الفراغ يفتح الباب أمام اجتهادات المديرين، حيث يتحول الأستاذ الأمازيغي في كثير من الأحيان إلى موظف احتياطي، يفرض عليه تدريس تخصصات أخرى أو يُقصى من حصصه بحجج مختلفة. بهذا، تصبح لغة رسمية رهينة قرارات فردية ومزاجية إدارية، وهو ما يفرغ مسار الترسيم من مضمونه.
المفارقة الكبرى ظهرت مع مشروع المدارس الرائدة، الذي يفترض فيه تجويد التعلمات وتكافؤ الفرص، لكنه أقصى الأمازيغية من جدولة الشهرين الأولين من الموسم الدراسي. النتيجة أن أساتذة الأمازيغية وجدوا أنفسهم في وضع بطالة مقنعة، يحضرون يومياً دون أي مهمة فعلية. هذا الغياب لا يضر فقط بحقوق الأساتذة، بل يحرم المتعلمين أيضاً من تعلم لغتهم الأم منذ البداية، موجهاً رسالة سلبية مفادها أن الأمازيغية تظل ثانوية يمكن تأجيلها.
الأزمة المالية تضاعف الشعور بالتهميش. فبينما يستفيد أغلب أطر المؤسسات المصنفة مدارس رائدة من المنحة التحفيزية، يُقصى أساتذة الأمازيغية منها بشكل مثير للاستغراب. كيف يعقل أن يشتغل الأستاذ داخل نفس المؤسسة، ويلتزم بالمهام التربوية، ثم يُستثنى فقط لأن تخصصه هو الأمازيغية؟ إن هذا الإقصاء لا يمثل حرماناً مادياً فحسب، بل يكرس وضع الأمازيغية كلغة من الدرجة الثانية، ويدفع بالأساتذة إلى الإحباط وفقدان الثقة في وعود الإصلاح.
لا أحد ينكر أن مدير المؤسسة يمتلك سلطة تربوية وإدارية، لكن هذه السلطة يجب أن تمارس في إطار القانون لا عبر اجتهادات فردية. فرض تخصص آخر على أستاذ الأمازيغية أو تغييب حصصه ليس تدبيراً، بل تعسفاً يمس العملية التعليمية ويعرقل تكافؤ الفرص.
القضية لم تعد مسألة نزاع نقابي، بل اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. المطلوب اليوم إصدار مذكرات وزارية دقيقة تنظم مهام أساتذة الأمازيغية، وإدماج هذه اللغة فعلياً في جميع المشاريع الإصلاحية منذ انطلاقتها، بما فيها المدارس الرائدة، وتمكين أساتذتها من جميع حقوقهم، بما في ذلك الاستفادة من التحفيزات والمنح.
إن استمرار هذه الوضعية يضعف الثقة في جدية الإصلاح، ويحوّل الأمازيغية من لغة رسمية إلى مجرد شعار في الخطابات. وإذا كانت المدرسة المغربية تسعى فعلاً إلى تكريس المساواة والعدالة اللغوية، فلا بد أن تبدأ من احترام أساتذة الأمازيغية وضمان مكانتهم داخل المنظومة، لأن أي إصلاح يقصي لغة رسمية هو إصلاح ناقص بالضرورة.