الألباب المغربية/ يونس المنصوري
في ظل الشكاوى المستمرة من الفقر والبطالة وتدهور القدرة الشرائية، جاء إعلان “التسوية الطوعية للضريبة” ليسلط الضوء على تناقضات المجتمع المغربي، حيث ظهرت فجأة ثروات مخفية يخشى أصحابها فقدانها. هذا الإعلان يعكس صورة معقدة للواقع الاقتصادي في المغرب، بين المعاناة اليومية للمواطنين والشكاوى المتواصلة، وبين وجود ثروات غير معلنة وغير مدمجة في الدورة الاقتصادية.
- الفقر والبطالة: أرقام تعكس الواقع الاجتماعي
تشير المعطيات إلى أن الفقر في المغرب شهد زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع المعدل من 1.7% في عام 2019 إلى 3% في عام 2021 على المستوى الوطني. أما في المناطق القروية، فقد ارتفعت النسبة من 3.9% إلى 6.8%، وهو ما يعكس تأثيرات جائحة كورونا على الفئات الأكثر هشاشة. الوضع ذاته ينطبق على البطالة، حيث بلغ معدل البطالة في المدن 21.2% في عام 2024، بعد أن كان 19.3% في العام السابق، فيما ارتفعت هذه النسبة في المناطق القروية من 10.5% إلى 21.4%، مما يبرز التفاوت الكبير بين الحضر والقرى في توفير فرص العمل.
- التسوية الطوعية للضريبة: خطوة نحو الكشف عن الثروات المخبأة؟
أثار إجراء “التسوية الطوعية للضريبة” جدلاً كبيرًا في المغرب، خاصة بين الأفراد الملتزمين بدفع الضرائب والذين يصرحون بممتلكاتهم بشفافية. هذه المبادرة، التي تم تفعيلها بموجب قانون المالية لعام 2024، تتيح للأشخاص الذين لم يصرحوا بشكل كامل عن أرباحهم أو ممتلكاتهم فرصة لتسوية وضعياتهم الجبائية دون التعرض للعقوبات. هذا الإجراء يبرز الفجوة العميقة بين من يلتزمون بالضرائب ومن يخفون ثرواتهم، ويكشف عن حقيقة مريرة تتعلق بحجم الاقتصاد غير المهيكل في المغرب.
- الأموال غير المصرح بها: حجمها وتأثيرها
في تقرير صادر عن بنك المغرب، تم الكشف عن وجود حوالي 430 مليار درهم من الأموال خارج المنظومة البنكية الرسمية. هذا الرقم يوضح حجم الاقتصاد الموازى والثروات غير المصرح بها، مما يفتح باب التساؤلات حول قدرة الدولة على دمج هذه الأموال في الدورة الاقتصادية الرسمية. كما يثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى شفافية النظام الضريبي ومدى قدرة الحكومة على محاربة الاقتصاد غير المهيكل وتوفير بيئة آمنة لتحفيز الاستثمارات المشروعة.
- التضخم وتآكل القدرة الشرائية: ضغوط إضافية على المواطنين
شهد المغرب في السنوات الأخيرة زيادة في معدلات التضخم، حيث بلغ المعدل حوالي 2.5% في الربع الأخير من عام 2021، ليصل إلى 5.3% في مارس 2022. هذا التضخم أثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين، مما زاد من حدة التوتر الاجتماعي. من الواضح أن تأثير هذا التضخم كان محسوسًا بشكل خاص لدى الطبقات المتوسطة والفئات الأكثر هشاشة، مما دفع العديد من الأسر إلى مواجهة صعوبات اقتصادية جمة في تأمين احتياجاتها الأساسية.
- التناقض بين الشعور بالفقر والخوف من فقدان الثروة
تكشف هذه المعطيات عن تناقض واضح في المجتمع المغربي: كيف يمكن لمجتمع يعاني من الفقر والبطالة أن يخشى فجأة من المحاسبة على ثروات قد لا تكون موجودة أصلاً؟ هذا التناقض يعكس الأزمة العميقة التي يعاني منها النظام الاقتصادي في المغرب، والتي تشمل غياب الشفافية والمصداقية في العلاقة بين الحكومة والمواطنين. إذ يفتقر العديد من الأفراد إلى الثقة في النظام المالي والمصرفي، مما يعزز من ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل.
- وسائل التواصل الاجتماعي: منصة للتعبير عن القلق
في ظل هذه الأوضاع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة للتعبير عن القلق والمخاوف بشأن الإجراءات الضريبية الجديدة. هناك انتشار واسع للشائعات والمعلومات المغلوطة، مما يزيد من حالة الارتباك بين المواطنين. على الرغم من أن هذه الوسائل قد تساهم في نشر الوعي حول قضايا اقتصادية هامة، إلا أنها في بعض الأحيان تصبح مصدراً للمزيد من الانقسام الاجتماعي والتشويش.
إن تسوية الضريبة الطوعية التي أُعلنت في المغرب تبرز التناقض العميق بين الفقر الظاهر والثروات المخفية. هذا يكشف عن أزمة الثقة بين الدولة والمواطنين ويشير إلى الحاجة الملحة لسياسات أكثر شفافية وعدالة في المجال الضريبي.