الألباب المغربية/ محمد خلاف
بعد دعة سعيد من عنت وكلال السفر؛ كان عليه التوجه رفقه أخيه الأصغر عبد العالي الى حيث يقطن بضواحي مدينة بيرغامو؛ رفقة ثلاثة مغاربة ٱخرين؛ جميعهم يعملون بميدان البناء بحكم أن مدينة بيرغامو تعد من المدن القوية اقتصاديا بالشمال الايطالي؛ ومكان تمركز العديد من الشركات الكبرى المتخصصة في مجال البناء وصناعة الاسمنت؛ ذات صباح أكره عبدالعالي الأخ الأصغر لسعيد على التغيب عن العمل لإنجاز بعض الوثائق الادارية بمدينة تورينو؛ فذهب سعيد لتعويضه في ورشة بناء مجمع سكني كبير؛ كان المسؤول إيطاليا رحب به؛ بحكم أن الاخ عبد العالي سبق وتحدث للطليان العاملين جنبه عن أخيه؛ فأعطاه لوازم العمل الجيدة التى أبهرت سعيد مقارنة معها بالمغرب؛ وأمره ببناء حائط صغير؛ وغايته فقط ملاحظة حركات سعيد؛ ومدى إدراكه لمهنة البناء؛ كان امتحانا تجريبيا دون علم صاحبنا؛ بين العزة والمهانة؛ فأخذ أداة المسطرين وميزان التسوية وشريط القياس وخيط ضبط الشد ؛ الذي أوثقه سعيد من اليمين الى اليسار؛ وبدأ البناء بسرعة وإتقان جيد؛ نظرات الكابو الايطالي ترمق وملاحظاته تدون؛ بعد ذلك سأله إن كان يعرف تبليط الأرض والحائط؛ واستخدام الكوفراج الخشبي؛ فكان له ذلك؛ وبحرفية قل نظيرها؛ بل وأضاف سعيد أنه يتقن قراءة التصميم؛ وتركيب قنوات الصرف الصحي؛ بحكم أن عامل البناء بالمغرب متعدد الاستعمالات؛ عكسه بأوربا لكل تخصصه؛ وفي نهاية العمل؛ طلب الإيطالي من سعيد العودة غدا؛ هو وعبد العالي فمكانه موجود. بدا لفرناندو أن سعيد فرصة ذهبية؛ فهو بناء محترف؛ سيعفيه من مهن أخرى تكاليفها غالية بإيطاليا؛ وحتى ثمن عمله رخيص مقارنة؛ باليد العاملة المحلية؛ أو تلك القادمة من الجنوب الأمريكي؛ وبحكم أنه لازال يعتبر مهاجرا سريا؛ تناسلت الأيام أصبح مالك المشروع أكثر إعجابا بسعيد وعمله؛ ومكنه من سكن بالمجان قرب العمل؛ لمراقبة بقية العمال وجديتهم؛ والتحكم في حركاتهم أثناء العمل وتوجيه العمل عامة؛ وأصبحت الثقة قائمة؛ والراحة بادية على الإيطالي الذي أطلق لقب ساندرو على سعيد؛ بل وأصبح يعزمه الى مأدبات عشاء يوم العطل؛ لتكون فرصة مواتية لسعيد لتعلم أكل السباكيتي لأول مرة في حياته وبداية تعلمه للغة الإيطالية؛ وساعده في موقف نبيل على الحصول على عقد عمل قانوني وهو ما مكنه من الحصول على أوراق الإقامة الشرعية؛ قبل شقيقه عبد العالي المقيم قبله بأربع سنوات بإيطاليا؛ حتى أن سعيد سيكون سببا لعبد العالي والعديد من أبناء الفقيه بن صالح في حصولهم على الإقامة القانونية، حصل على أفضل ما في الطليان لأنه أعطاهم أفضل ما فيه.
أصبح سعيد بسيارته الجميلة؛ وبطاقة إقامته؛ وأمواله؛فكر في زيارة المغرب وعائلته؛ فرافقه الإيطالي في رحلة جميلة بكل طقوسها؛ انتهت بسرعة؛ ليعود الى ورشة العمل؛ وقد حقق العديد من أحلامه بما فيها عقد قرانه على حبيبته السعدية ؛ غير أن صداقته مع بعض الأشخاص المشكوك في عملهم؛ ستغير وضعه الاعتباري لدى الطليان؛ رغم نصائحهم المتكررة وتوسلاتهم أحيانا وهم من قالوا من يرافق الأعرج يتعلم العرج؛ سيصبح أكثر تغيبا عن العمل؛ وسيتابع من قبل الكارابينيري بتهمة ترويج المخدرات الصلبة؛ فندم عن سعادة لم يشعر بها كانت ملكه؛ بعدما شعر أنه من التعساء. ليزوره فيرناندو ذات يوم بأقامته الجبرية ويقول له بلغة إيطالية جيدة مامعناه أن من يسير ببطء؛ يسير بثقة ويسير بعيدا.