الألباب المغربية / محمد عبيد
لم أشـعر بالحـرية لحظةً ما إلا حـين أمسكت أول مرة بالقلم وكتبت من نتـاج فكري الخالص… إذ تستحضرني وأنا أؤم بتدوين بعض ما استخلصته من تجربتي المتواضعة جدا في المجال الصحفي كل الكتابات السابقة التي شكلت رحلة ومعاناة وهموما وما رافقها من الضغوط المادية والنفسية التي تعرضت لها في هذا المجال.. مرحلة كانت تركز وتهتم بمشاكل وقضايا البلاد والعباد معا التي تتراكم وتتفاقم يوما بعد يوم إلا أنها مرحلة لم تخل من محاولات تعويق مسيرتي الإعلامية وإن عرفت مع تواليها ومع ما عرفه المغرب من انفتاح في المجال الإعلامي من حيث توسيع هامش الحرية وأصبحنا نناقش كل المواضيع في حدود ما تسمح به المصلحة الوطنية العامة وفيما لا يتعارض مع ثوابت هذا الوطن…
يعتقد البعض أن سقف الحريات، “قد يكون أعلى بكثير مما يضعه الصحفي لنفسه”، ويدعو هؤلاء إلى استغلال هذا السقف والسعي إلى رفعه خاصة في ظل المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم ككل، بحيث أصبح الإعلام السلطة الأولى وليست السلطة الرابعة… آخرون يرون أن أمام الصحفيين طريقا مليئة بالعثرات حتى الوصول إلى وضع يمكنهم فيه طرق القضايا الساخنة في تغطيانهم الصحفية، أيا كان الموقف الأكثر ملامسة للواقع فإن الإبقاء على التغطية السطحية للأحداث من شأنه أن يطيح بالسلطة الرابعة بشخوصها ووسائلها أمام الإعلام الجديد الذي يمتطيه أناس عاديون لكنهم أصبحوا يمارسون التغطية لما يجري حولهم وتجاوزا ذلك في التأثير والقيادة أيضا علما أن الإعلام اليوم يكاد يكون هو العلامة المميزة لهذا العصر ويجب أن يكون إعلامنا قادرا على المنافسة وعلى طرق أبواب الآخرين.
لا شك في إجماع الكل على الحق في أن حرية التعبير تعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان، لا يمكن لأي أحد أن يمنعك من هذا الحق تحت أي ظرف، على أساس ألا تعتدي على حرية الآخرين، بالإضافة إلى مفهومها العام الذي يعطي لكل إنسان كيفما كان أصله وجنسه أن يعبر عن رأيه و مواقفه واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت، بدون أن تفرض عليه قيود تعسفية، هذا الحق مكفول لكل إنسان بالعالم، سواء ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالمادة 19، أو ما نص عليه دستور المملكة في الباب الثاني من الفصلين 19 و25.
وباستغلال هذا الهامش الذي بات متاحا، يُلاحظ أن التقارير الصحفية تتناول الأحداث والقضايا المحلية بأسلوب تشخيصي وصفي بحيث لا تضيف شيئا للمواطن الذي قد يكون على دراية بمضمونها أكثر من الصحفي الذي قام بالتغطية لتبقى المقولة الرائجة سيدة الموقف والتي مضمونها”كل كتابة صحفية مردود عليها”..
فجمهور وسائل الإعلام المحلية يعيش بشكل يومي أوضاع المستشفيات الحكومية، ويعرف كيف تراجع التعليم، وهو الذي يكتوي بنار ارتفاع الأسعار، وبالتالي لا يحتاج إلى من يخبره بذلك بقدر حاجته إلى إعلام قادر على خلق وقيادة رأي عام يُفضي إلى تغيير حقيقي للأفضل.
يرى أكاديميون وصحفيون أن الاكتفاء بتغطية وصفية للأحداث تسبب بحالة من “ضعف الثقة بين وسائل الإعلام والجمهور، وخلق وضعا لا يكترث فيه الموطن كما صانع القرار بالتغطيات الصحفية المحلية، وكأن من هم في موقع المسؤولية أصبحوا على قناعة تامة أن خبرا أو تقريرا صحفيا لا يمكنه التأثير على مواقعهم أو مناصبهم، وراح الوزراء يحترفون مقولة: “الناس كتبغي التهويل” لدى سؤالهم عن أي قضية تنغص حياة المواطنين، وذهب آخرون إلى القول: “الإمكانيات لدينا غير متوفرة”، أو “ندرس الحلول المناسبة” أو “أحلنا الملف على التحقيق، وسنرى ما سيفيده من نتيجة؟”… أما نتيجة هكذا وضع فأصبح يعيشها أي صحفي، فالأغلبية من المسؤولين أو الوزراء وكذلك رجال أعمال أو رؤساء مؤسسات عمومية وغيرهم لم تعد تخشى السلطة الرابعة….
في الدول المتطورة عندما یدخل الإعلامي على مسؤول بالدولة تجد المسؤول یخاف ویخشاه، أما في المغرب فكأنه متسول للأخبار والمسؤول یتصدق علیه بتصریح أو یعتذر!؟.. الإعلامي ھناك یقوم بعملیات بناء شاھقة، والإعلامي ھنا وظیفته كتابة أخبار من نوع “صرح وشكر واستنكر”.
لماذا وصلنا لهذا الحد من انعدام الضمير والمجاملة بدون روح بدون عدل بدون تفكير… في مجتمع مليء بالقيود…..
لا شك في إجماع الكل على الحق في أن حرية التعبير تعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان، لا يمكن لأي أحد أن يمنعك من هذا الحق تحت أي ظرف، على أساس ألا تعتدي على حرية الآخرين، بالإضافة إلى مفهومها العام الذي يعطي لكل إنسان كيفما كان أصله وجنسه أن يعبر عن رأيه و مواقفه واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت، بدون أن تفرض عليه قيود تعسفية، هذا الحق مكفول لكل إنسان بالعالم، سواء ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالمادة 19، أو ما نص عليه دستور المملكة في الباب الثاني من الفصلين 19 و25.
المواطن الحقيقي يجب أن يمارس المواطنة بمفهومها الشمولي بما يتعلق بالواجبات والحقوق… فاستعباد الإنسان، ناجم عن عدم احترام الحق في حرية الأفراد، والمجتمعات، الذي اقره الدين الإسلامي، على لسان عمر بن الخطاب، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)… إذ لا يحتمل اللبيب بسلب حرية الأفراد، والمجتمعات، لخدمة مصالح الأسياد، الذين يقوم وجودهم على استعباد غيرهم، حتى يصيروا في خدمة مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق ضمان قيام الأسياد، بتأبيد استعباد غيرهم، حتى تنتفي، وإلى الأبد، إمكانية تحقيق كرامتهم الإنسانية. لأن الاستبداد، له فلسفته، التي تعتمد في تطويع المجتمع، للقبول به، عن طريق إلغاء كل الحقوق الإنسانية، وترسيخ الخضوع المطلق للحاكم، الذي لا يتوانى، في التنكيل بكل من يتجرأ على المطالبة بتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تمكن من تمتيع جميع أفراد الشعب، بتقرير مصيرهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يحرمون منه، في ظل استبداد الطبقة الحاكمة بالسياسة، وبالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، انطلاقا من تصور فلسفي معين. ومعلوم، أن التنوير لعب، ويلعب دورا كبيرا، وأساسيا، في جعل الأفراد، والجماعات، يحولون المجتمع، من مجتمع متخلف، إلى مجتمع متقدم، عن طريق تمكين أفراده من الوعي بالواقع، بمتطلباته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمعرفية، والعلمية، وبالوعي بضرورة تغييره إلى الأحسن، من أجل إيجاد مجتمع حقوقي متطور، تتوفر له إمكانية التقدم، والتطور المستمرين، على جميع المستويات، بما فيها مستوى حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
الإعلامي المغربي عموما وبالأطلس المتوسط على وجه الخصوص یجد نفسه أمام معادلة صعبة وغریبة، ففي الوقت الذي یجد نفسه یجاھد لأجل عدم التعدي على حقوقه يصطدم بحرب ما كانت تستهدف عرقلة مساره مما يفرز أنها ملولبة في قالب حرب إصلاح البیئة الإعلامیة والنھوض بھا مقابل من یقوم بحشوھا بدخلاء جیشوا من باب التحزبات والواسطة، وكأنه جاء من كوكب آخر أو من القرون الوسطى ویتخلف عنھم بسنوات ضوئیة، وقد يستشعر نفسه أنه محروم حتى من التنفس في ھذا الجو الإعلامي المتطور…
الإعلامي في المغرب وبالرغم مما يتمشدق به البعض یعاني من صراع المحسوبیة والضیاع الإداري الذي ترك بوابة الإعلام مشرعة لكل من ھب ودب، فبات بإمكان أي مسؤول أن یأتي بعشیرته وأھله وجماعته ویضعھم في مناصب متقدمة وقیادیة فقط، لأنه یرید أن یسیر بین الناس ویقول إن لدیه بالعائلة “إعلامیین” حتى وإن كانوا كالدیكور لم یمارسوا الإعلام، وكأن ھذه المھنة مھنة وجاھة وتشریف لا تكلیف وفیھا مسؤولیة كبیرة وتحتاج العمل الدؤوب لیصل الشخص إلى منصب قیادي…
إعلامنا المغربي مليء بأعجوبة ومتناقضات صارخة كون الذي یحرق نفسھ ویبذل كل طاقتھ لیصل إلى منصب یلیق بخبرتھ، لا اعتراف له ولا تقدير ليسيطر عليه في النھایة الشعور بالمذلة وھو یرىدخلاء على هذه المهمة لا یعرف من أین جاؤوا ویوضعون علیھ، وإقناعھ بالموافقة على آلیة سیر العمل، “لو سیاسة المجاملات والمحسوبیة في الإعلام تنتھي ما وجدنا أحدا؟”
عصا التھمیش والالتزام بسیاسة “السكوت من ذھب”، أما معاناته مع سیاسة “من فوق” وهذا في حد ذاته نوع من أنواع الفساد الإعلامي…. وأنا اسف على طابور فساد اعلامنا!
من أين نشأ طابور الفساد الإعلامي ؟
اترك تعليقا