الألباب المغربية – مصطفى طه
تارودانت مدينة مغربية تقع شرق مدينة أكادير، وتبعد عنها بحوالي 80 كيلومترا فقط، وهي عاصمة إقليم تارودانت، ضمن جهة سوس ماسة، ويبلغ عدد سكانها 80.149 نسمة حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014.
وفي سياق متصل، تعد تارودانت من أقدم وأعرق مدن المغرب، إذ كانت مدينة عامرة منذ أقدم العصور، ولعبت أدوارا تاريخية هامة في تاريخ سوس والمغرب، سواء خلال مرحلة ما قبل الإسلام، أو خلال مختلف مراحل تاريخ المغرب الإسلامي.
تحيط بمدينة تارودانت، سلسلة من الأسوار التي تميزها عن غيرها، مما أهلها لأن تصبح جوهرة ثمينة، والمدينة الأجمل في المغرب، بحيث يمكنك التنزه في ظلال تلك الأسوار، التي تزخر جدرانها بالتاريخ، وتقف أبراجها شامخة على مدى خمسة قرون، شاهدة على حماية العاصمة السابقة لمملكة “السلاطين السعديين”.
وفي هذا الصدد، تتميز المدينة المذكورة، بتراث عظيم وتاريخ غني، رغم أنها لا تعد “متحفًا مفتوحا”، تقف محتجزة فحسب في طيات الزمن، لتخليد ذكرى مجدها الغابر؛ حيث تدب في المدينة روح الحياة العصرية التي تكوّن مزيجًا سلسًا مع التراث والتقاليد السائدة فيها، فضلا على أنها تعج بالأسواق، وبالحركة والنشاط؛ وتشتهر تارودانت بصفة خاصة بصناعة الجلود، إلى جانب تذكارات “التيرا كوتا” أو “الطين النضيج”، ومجوهرات الأمازيغ.
وتتمتع مدينة تارودانت، بكل مقومات الحياة الحضرية، وهي أيضا تمثل نقطة انطلاق كبيرة للعديد من رحلات التنزه والسير على الأقدام؛ حيث تقع المدينة بين سلسلتي “جبال أطلس”، مما جعلها محط أنظار العديد من هواة السير، وتسلق المرتفعات، بالإضافة إلى أنها لا تفتقر بتاتا إلى أي عامل مع عوامل الجذب؛ فهي تجمع بين الطبيعة الخلابة، والثقافة، وتمتزج فيها الحداثة مع التقاليد.
وارتباطا بالموضوع، تعرف مدينة تارودانت، عاصمة الإقليم، حركية تنموية مهمة، بحيث يعمل المجلس الجماعي لتارودانت الحالي جاهدا إلى ترجمة مجموعة من المشاريع على أرض الواقع، بعدما ظلت عالقة ومتعثرة منذ سنوات، أبرزها افتتاح المركز الثقافي “تارودانت”، الذي يعد معلمة ثقافية يتوخى منها مواكبة الأنشطة الثقافية، والفنية لشباب المدينة.
ويعتبر هذا المركز، الذي أشرف على افتتاحه، يوم 04 دجنبر 2021 وفد ضم كل من وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، وعامل إقليم تارودانت، الحسين أمزال، ورئيس المجلس الجماعي لمدينة تارودانت، عبد اللطيف وهبي، فضاء لإبداع الشباب المغربي وللتعبير والتعلم والاكتشاف من خلال أشكال فنية مختلفة.
ويتكون هذا المركب الثقافي، الذي بلغت تكلفته الاجمالية 30.74 مليون درهم، من طابق أرضي، يشمل قاعة العروض، وغرف للممثلين، وقاعة للتداريب، ومخزن الديكور، ومرافق إدارية، وطابق علوي يضم عدة مرافق تشمل خزانة، وفضاء للاستقبال، وقاعة متعددة التخصصات، وفضاء للطفل وغيرها من المرافق.
ويأتي افتتاح المركب الثقافي المشار إليه، في إطار استراتيجية القطاع الوصي الهادفة إلى تقليص الفوارق المجالية على مستوى تغطية التراب الوطني، بمؤسسات القرب الثقافي، وكذا إرساء استراتيجية ثقافية وطنية تستهدف تعزيز التقائية السياسات والبرامج العمومية، وتحديد التوجهات والاختيارات الرئيسية.
كما شهدت مدينة تارودانت، عملية ترميم باب “أولاد بونونة”، بحيث يندرج ترميم هذه المعلمة التاريخية، بتكلفة مالية تصل إلى 1.1 مليون درهم، في إطار رد الاعتبار وتثمين التراث المعماري والهندسي الذي تزخر به المملكة من خلال المشاريع المنجزة أو التي توجد في طور الإنجاز، والتي تهم على وجه الخصوص المدن العتيقة والقصور والقصبات، هذا من جهة.
من جهة أخرى، عرفت تارودانت، إنجاز مشروع تقوية تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب انطلاقا من سد أولوز، بحيث سيمكن هذا المشروع، الذي يندرج في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 الذي تم التوقيع عليه أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم 13 يناير 2020، من سد العجز الذي كان مسجلا وتأمين تزويد مدينة تارودانت بالماء الصالح للشرب حتى أفق 2050.
وفي هذا الإطار، سيساهم هذا المشروع، في المحافظة على الموارد المائية الجوفية، وتحسين الظروف المعيشية لساكنة المدينة، وكذا المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة.
ويهم هذا المشروع المهم، إنجاز محطة لمعالجة المياه انطلاقا من سد أولوز بصبيب 17 ألف و 280 متر مكعب في اليوم (200 لتر في الثانية)، ووضع قنوات الجر بطول 80 كلم بأقطار تتراوح بين 500 و900 ملم وثلاث كاسرات للضغط مع إنجاز خزان بسعة 3000 متر مكعب ووضع نظام التحكم عن بعد وذلك بتكلفة إجمالية تقدر ب 250 مليون درهم.
وكان تزويد مدينة تارودانت، يتم انطلاقا من الموارد المائية الجوفية التي شهدت انخفاضا مهما خلال السنوات الأخيرة مما أدى إلى تسجيل عجز في التزويد بالماء الصالح للشرب وصل إلى 20 في المائة.
أما بخصوص مسايرة التحول الذي يعرفه العالم على مستوى الذكاء الاصطناعي، شرع المغرب عمليا وذلك من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية في سلك التعليم العالي تُعنى بالأبحاث الخاصة بالذكاء الاصطناعي، بحيث قررت الحكومة يوم 08 فباير 2024،عبر مصادقتها على مشروع مرسوم رقم 2.23.14 بتتميم المرسوم رقم 2.90.554 المتعلق بالمؤسسات الجامعية والأحياء الجامعية، إحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعلوم المعطيات بتارودانت، ستكون تابعة لجامعة ابن زهر بأكادير.
ويهدف إحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعلوم المعطيات بتارودانت، إلى تزويد بلادنا بنموذج جديد من مدارس المهندسين التابعة للجامعات بغية تكوين رأسمال بشري متخصص قادر على مواكبة التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي والانخراط في مجتمع المعرفة.
وفي هذا الصدد، أشاد عدد من الجمعويين بتارودانت، بمبادرة إحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعلوم المعطيات بالمدينة، والتي ستكون قيمة مضافة كبيرة للتعليم والتكوين على مستوى الجهة عموما، خاصة للفئة الشابة من خلال اكتساب معارف تطبيقية ونظرية، بخصوص التحول الرقمي.
وفي إطار مشروع إعادة تأهيل تارودانت، يعمل المجلس الجماعي الحالي، على تنفيذ مجموعة من المشاريع المهمة، من خلال ترميم وصيانة المباني التاريخية، والمرافق العامة، وكذا تطوير البنية التحتية الأساسية، كالطرق، والمياه، والصرف الصحي، فضلا عن تعزيز التنمية الاقتصادية والثقافية، هذا كله يتعلق بالمدينة القديمة، قصد جذب الاستثمارات، وتنظيم الأحداث الثقافية.
كما يهدف هذا المشروع، إلى حماية التراث التاريخي لتارودانت، وتعزيز التنمية المستدامة، من أجل حماية التراث التاريخي للمدينة، وتعزيز التنمية المستدامة، بحيث سيساهم في تحسين جودة الحياة للساكنة المحلية، وجلب العديد من السياح إلى المدينة.
أما في ما يتعلق بالمجال الاقتصادي، شهدت مدينة تارودانت، تدشين مشروعين استثماريين لمجموعة “كوباك”، بحيث أن هذين المشروعين، اللذين حظِيا بدعم صندوق التنمية الصناعية والبالغة قيمتهما الإجمالية نحو 197 مليون درهم، يندرجان في إطار تفعيل الاتفاقية المتعلقة بالتنزيل الجهوي لاستراتيجية تنمية الصناعات الغذائية لجهة سوس ماسة، الموقعة أمام الملك محمد السادس بتاريخ 28 يناير 2018 بأكادير.
ويتعلق هذان المشروعان، اللذان يُرتقب أن يُحدِثا 380 منصب شغل مباشرا وأزيد من 2200 منصب شغل غير مباشر، بإنشاء وحدة عصير الحوامض ووحدة صناعية لإنتاج الأجبان، استجابةً للطلب المتنامي لسوق الأجبان والعصير، هذان المشروعان يتطلعان لتلبية الاحتياجات على مستوى السوق المحلية والتصدير.
كما يهدفان كذلك إلى الإسهام في تثمين وتحويل المنتج الفلاحي المحلي، وتعويض الواردات، من خلال تطوير منتجات محلية ذات قيمة مضافة عالية.
وفي هذا الصدد، فإن هذين المشروعين يُعتبران خير مثال على الدينامية التي تشهدها صناعات الحليب، وتحويل الحوامض بالمغرب على مستوى الاستثمار، وإحداث مناصب الشغل وعلى الحيوية التي تُثيرها علامة “صُنع في المغرب”.
ومن شأن هذين الاستثمارين، تعزيز التكامل بين بداية السلسلة الزراعية، ونهاية سلسلة التحويل، علاوة على سلاسل القيمة، مما يساهم بشكل أكبر في تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الصناعية لبلدنا، طبقا للتوجيهات الملكية السامية.
المجلس الجماعي الحالي لتارودانت، سيعمل جاهدا من أجل الوفاء بكل الالتزامات، وذلك من خلال الاشتغال على رصد الاعتمادات المالية، بهدف تنمية المدينة والمشاريع حتى تتطور، وتكون وفق تطلعات الساكنة المحلية، بحيث لن يدخر جهدا في المساهمة في إنجاز جميع المشاريع، و تتبع الأوراش ومراقبتها.
حري بالذكر، أن جماعة تارودانت، حصلت على دعم استثنائي مالي قدره 136 مليون سنتيم، مكافأة لها من طرف وزارة الداخلية على نجاعة تدبيرها وشفافيته، على خلفية مشاركتها في برنامج “تحسين أداء الجماعات (PAPC)، الذي ينفذ بشراكة بين المديرية العامة للجماعات المحلية، والبنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية، بحيث أن البرنامج الممتد لخمس سنوات (2019-2023) يهدف تعزيز الحكامة الجيدة لدى الجماعات، لتحسين الخدمات للمواطنين والشركات.
وتم اعتماد التقييم السنوي للأداء برسم سنة 2019 على احترام الشروط الدنيا الإلزامية، المتمثلة في نشر القوائم المالية والمحاسبة، والتقييم السنوي لتنفيذ برنامج عمل الجماعة، وكذا تحيبن البرمجة الممتدة على ثلاث سنوات، وإرفاقها بالميزانية، فضلا على نشر البرنامج التوقعي للصفقات، وتفعيل هيئة تكافؤ الفرص، ومقاربة النوع وعقد اجتماعات دورية منتظمة لأعضائها.