الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
الذين خرجوا إلى الشوارع، وهرولوا مثنى وثلاث ورباع نحو مينائي الدار البيضاء وطنجة المتوسطي، حاملين شعارات منددة بالتطبيع، مروجين لخطاب العنصرية والطائفية والعنترية والتحدي، نذكرهم أن حب الأوطان من الإيمان، والسعي نحو إثارة الفتن والنعرات الطائفية والقبلية، وإحداث الفوضى والاضطراب، وتكريس الإحساس الفردي والجماعي بانعدام الأمن والاستقرار، هو جريمة في حق الوطن، ترتقي إلى منزلة الخيانة؛
التطبيع الحقيقي، هو التطبيع مع “البسالة” باللغة الدارجة، والمساس الجسيم بأمن واستقرار البلاد، خدمة لأجندات خارجية، تحت مسمى التضامن مع فلسطين والتنديد بتطبيع الدولة .. التطبيع الحقيقي، أن يلتزم من “صدع رؤوسنا” بفلسطين، وأوجع مشاعرنا بغزة، الصمت الكاسح، ويتوارى عن الأنظار، لما يتعرض الوطن إلى الإساءة والاستفزاز والابتزاز، والحملات العدوانية الممنهجة من جانب خصوم وأعداء الوحدة الترابية…
التطبيع الحقيقي، هو التحالف ضد الوطن، والإصرار الفردي والجماعي على إحداث الفوضى والاضطراب في الشارع العام، وتعمد الدخول في مواجهات مع قوت الأمن، وعرقلة حركة السير، وتعطيل مصالح النـاس، واستهداف الاقتصاد الوطني والمصالح الاستراتيجية العليا للوطن، عبر التجمهر العنتري أمام الموانئ المغربية، بكل ما لذلك، من انعكاسات سلبية على “الرأسمال الأمني” الذي جعل من المملكة وجهة آمنة لكبريات الشركات العالمية…
التطبيع الحقيقي، أن تستغل القضية الفلسطينية، من قبل الوصوليين والمسترزقين والانتهازيين وتجار المآسي، لابتزاز الدولة، والسعي نحو خراب الوطن، عبر إنتاج خطاب العنصريـة والطائفية تحت يافطة التضامن مع فلسطين …أن تتلاقى أهداف الخارجين عن بيت الطاعة من أبناء الوطن، مع مصالح وتطلعات خصوم وأعداء الخــارج، الذين يزعجهم ما وصلت إليه المملكة من تطورات وتحولات اقتصادية وتنموية، ومن نجاحات دبلوماسية وإشعاعية واستراتيجية، لن تكون إلا كابوسا مزعجا، بالنسبة لكل من جعل من “العداء المروكي” عقيدة وشريعة…
التطبيع الحقيقي أن تتحول فلسطين وقضيتها المشروعة، إلى نفاق وحب مزيف، يتقاسمه كل من يحمل مشاعر الضغينة والعداء للمغرب ووحدته الترابية في الداخل كما في الخـــارج… أن ترفع صور ورموز المقاومة في فلسطين ولبنان، في المظاهرات والمسيرات، دون أن ترفع راية الوطن ولا صور ورموز الأمة…
التطبيع الحقيقي، أن يتم الولاء العلني للخصوم والأعداء على حساب الوطن وقضاياه المصيرية، في لحظة، تقتضي توحيد الصفوف، والالتفاف حول الثوابت الوطنية والدينية الجامعة، استحضارا لحجم التحديات التي تواجه قضية الوحدة الترابية للمملكــة، واعتبارا للاستحقاقات الرياضية المرتقبة، وعلى رأسها التنظيم المشترك لكأس العالم نسخة 2030، والتي تستدعي الوحدة والتعبئة والجاهزية والاستعداد…
التطبيع الحقيقي، أن يطلق البعض الوطن طلاقا لا رجعة فيه، ويرتمي عن طواعية في حضن الخصوم والأعداء… أن يتملك خطاب التيئيس والتبخيس والفتنة والطائفية والقبلية… التطبيع الحقيقي، أن نخذل الوطن ونتخلى عنه، في اللحظات التي تقتضي الدعم والمؤازرة والتعاضد والتكافل، لصد ضربات الخصوم والأعداء… التطبيع الحقيقي، ألا يخرج المتضامنون مع فلسطين، إلى الشوارع، احتجاجا على مناورات العالم الآخر ضد الوحدة الترابية للمملكة، وتنديدا بالمواقف العدائية لمن يوصفون في تيار المقاومة والممانعة…
التطبيع الحقيقي، أن يصمت المحتجون والمنددون، لما يقتل التلميذ أستاذته بطريقة غاية في الوحشية والهمجية… لما يعنف التلميذ معلمه الذي قيل فيه “كاد المعلم أن يكون رسولا”، ولما يتم الإفراج عنه بعد تنازل المعلم، يستقبل داخل المؤسسة من قبل زملائه، استقبال المنتصرين والفاتحين… التطبيع الحقيقي، أن نساهم أفرادا وجماعات، في تكريس ثقافة الأنانية والجشع والطمع والوصولية والانتهازية، والتفاهة والسخافة والانحطاط والتشرذم … ألا نتحمل جميعا، واجباتنا أمام الوطن… ألا نتضامن مع قضية الوطن الأولى، ونتضامن مع قضايا أخرى…
هذا باختصار، هو التطبيع الذي يتوجب محاربته والتنديد بــه، أما عن “تطبيع الدولة”، فنذكر أن مواقف المملكة، ظلت على الدوام ثابتة وداعمة للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، و”تطبيعها” هو على الأقل، واضح ومعلن، بخـلاف عدد من الدول التي تندد بالتطبيع مع إسرائيل في العلن، وتطبع معها تحت الطاولة، أو تكتفي بخطاب العنترية والفنتازيــا، دون أن تقدم شيئا لفلسطين ولا لشعبها، كما نذكر أن كل دولة، لها تقديراتها وحساباتها، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، يحكمه منطق المصالح، وفي هذا الإطار، ودون الانغماس في مبررات التطبيع ومقاصده، فالثابت أن مصلحة الوطن وقضايــاه المصيرية فوق كل اعتبار، وخير ولاء وخير تضامن، هو ذاك، الذي يكــون مع الوطن ومن أجل الوطن..، أما عن فلسطين، فلا يمكن البتة، الاختلاف بشأن عدالة قضيتها، وبمشروعية الدفاع عنها، لكن، ليس بالعنتريات ولا بالفنتازيا، ولا بالشعارات الفلكلورية، ولا بالوصولية والاسترزاق، ولا بإحداث الفوضى والاضطراب في الشوارع العامة، ولا بخطاب التيئيـس والعدمية والإقصاء ، ولا بمواجهة الدولة بمبرر “التطبيع”… فلسطين تحتاج اليوم، إلى العقلاء والرشداء والحكماء، إلى من يسعى إلى صناعة الأمل والحياة، وإنتاج الأمن والسلام والتسامح… فقد أثبت “الطوفان”، أن المقاومة المندفعة وغير المتبصرة، هي انتحار أعمى، تحضر فصوله المؤلمة، بين ركام وأنقاض غزة الحزينـة…