الألباب المغربية/ ياسين بالكجدي
في عالم يدّعي التحضر والإنسانية، تتجلى أبشع صور القسوة في ممارسات ممنهجة تُهدر الكرامة، وتُسحق فيها القيم، ويصبح الإنسان مجرد رقم في معادلات المصالح. تُمارس الانتهاكات بأشكال مختلفة، تبدأ بالقمع وتمتد إلى الاستغلال، مرورًا بالعنف والتجويع والتشريد. يعلو الصراخ في أماكن لا يصلها الصوت، وتُكتب القصص بدموع لا تجد من يمسحها.
في زوايا السجون المظلمة، يقبع من حلموا بوطن عادل، وأرادوا أن يقولوا الحقيقة. في ساحات الحرب، تُباد قرى بأكملها، ويُقتلع البشر من جذورهم كأنهم لم يكونوا. في الأسواق، يُباع الفقراء في صفقات مغلفة بالقانون، وتُستنزف أحلامهم حتى آخر رمق. الأطفال، الذين كان يُفترض أن يحملوا المستقبل، يُدفعون إلى ساحات العمل القسري، أو يُلقون في طرقات التشرّد، أو يُجبرون على حمل السلاح بدلًا من القلم.
المرأة، نصف المجتمع الذي يُفترض أن يُصنع به التغيير، تتحمل أضعاف المعاناة، من التهميش إلى العنف، ومن الإقصاء إلى الاستغلال. تُباع بأشكال مختلفة، تارة باسم العادات، وتارة باسم الفقر، وفي أحيان كثيرة بلا مبرر سوى أن القوي اعتاد سحق الضعيف.
في أروقة المحاكم، تقف العدالة معصوبة العينين، لكنها في بعض الأماكن تُغمضهما عمدًا، لتبرئ الجلاد وتدين الضحية. تُصنع القوانين لحماية الإنسان، لكنها تُخرق كل يوم بذرائع واهية، وتتحول حقوقه إلى امتيازات تُمنح للبعض وتُسلب من آخرين.
وحين ينهض أحد ليصرخ في وجه الطغيان، يُسحق تحت عجلات القوة. يُلاحَق، يُهان، يُنفى، أو يُقتل في وضح النهار، في رسالة واضحة: “لا مكان للعدالة هنا”. هكذا يُدفع الناس إلى الصمت، ليس خوفًا، بل لأنهم يدركون أن صوتهم وحده لن يغيّر شيئًا في عالم تتحكم فيه المصالح، ويُباع فيه الإنسان بأبخس الأثمان.
وفي النهاية، تستمر الحياة وكأن شيئًا لم يكن. تُطوى صفحات المآسي في نشرات الأخبار، يُنسى الضحايا، وتُكتب فصول جديدة من القهر، بينما يبقى السؤال معلقًا في الهواء: إلى متى سيظل الإنسان أرخص شيء في هذا العالم؟