الألباب المغربية/ محمد المتوكل
حضرت نشاطا صحفيا رفقة بعض ممن نشترك معهم الماء و الهواء في ميدان صاحبة الجلالة، ونتقاسم معهم هموم الوطن والمواطنين، لكن تبين ان هؤلاء لا لهم في العير ولا لهم في النفير، ولا هم يشتمون هواء ولا هم يقتسمون هما لا مع الوطن ولا مع المواطنين، إنما كل همهم هو 200 درهم يتلقفونها كما يتلقف الضبع فريسته، لأنه في المحصلة هو (جاي غير باش يفوز بديك 200 درهم)، ظانا من نفسه أنه قد أدى مهمته على أحسن وجه وهو في الحقيقة قد أساء للمادة والميدان والمجال، وأحال مهنة صاحبة الجلالة على التقاعد والتكلس والجمود والفتور والضعف والخذلان وألوان والذلة والمسكنة، وأعاد ايقاظ الصورة النمطية التي توجد في مخيلة البعض على أن ميدان صاحبة الجلالة مقرون بالبحث عن البقشيش ولو في جزر الواقواق.
هذه الواقعة المريرة والناصعة في الغبش، أنا في الحقيقة لأول مرة أراها بأم عيني بعد أن كنت أسمع عنها القيل والقال وكثرة السؤال، لكن أن ترى رزنامة من الصحفيين يتخاطفون على 200 درهم، ويخطفها من زميله في رمشة عين ويقول لصاحبه (هيا صافي سالات الحفلة)، بعد أن دعوا لتغطية نشاط حقوقي، وكانوا طيلة النشاط (عاطيينها للنشاط والهضاضر والبوليميك)، وهم أصحاب الميكروفونات يا حسرة على الميكروونات، (فين ما كان شي ملقط داير بونجة وميكروفون وجاي تايتجارا)، بداعي المهنة والصحافة والاعلام وهو أبعد من هذا كله كبعد السماوات عن الأرض أو أكثر، ومن المنطق على هؤلاء المدعي للصحافة والمنتسبين لها ظلما وعدوانا وزورا، أن يعطوا الصورة الناصعة على نظافة ميدان صاحبة الجلالة من الأوباش والمشوشين والدوغمائيين والمنتحلين والفهايمية وهم (مافاهمين حتى وزة) للأسف الشديد.
لقد أبان هؤلاء السخفيين على أنهم كبروا في (الجوع والنوع)، وأن 200 درهم كافية لتجعل منه ذلك الضبع الذي يطير على ورقة نقدية تافهة لا تكفي لمصاريف يوم واحد، فبالأحرى لمصاريف شهر كامل رفقة (الوليدات)، ورقة لا تساوي شيئا في ظل أزمة الغلاء ومعضلة الدواء والغذاء والكساء حتى أصيب أغلب المغاربة بأزمة وعقدة (الاء).
صحيح أن أغلب المتعاطين للشأن الإعلامي والصحفي بالمغرب فقراء ومعوزون ومحتاجون ولا يملكون حتى ثمن قهوة سوداء في الصباح، وليس لهم تغطية صحية وليس لهم ضمان اجتماعي وليس لهم بطائق اعتماد أو بطائق مهنية، بل ومن الصحفيين من لم يقرأ حتى القانون المؤطر للمهنة 88/13، بل من الصحفيين والصحفيات من له ولها مسؤوليات الأبناء والأسر وارتفاع صاروخ المصاريف والمتطلبات، ونحن نعلم هذا علم اليقين، لكن هذا كله لا يبرر من ضرورة أن يتوفر الصحفي والصحفية على جانب من النخوة والأنفة والعزة والكرامة و(مايبقاش يتخاطف على 200 درهم)، وكأننا في حرب البسوس أو داحس والغبراء، وعلى المتعاطين للشأن الإعلامي والصحفي أن يعلموا علم اليقين أن هذا الميدان يفترض فيه على الصحفيين والصحفيات الاشتغال بمنطق العقل والمسؤولية والنزاهة والمصداقية وحفظ ماء الوجه وأن 200 درهم ستنتهي، ولكن الكرامة والنخوة والعزة والأنفة ستكون في مرمى المنتقدين والمتتبعين والمهتمين و(غادي يهزوك ويخبطوك ويقللوا من الفايدة ديالك).
لقد أبان هؤلاء الصحفيين والسخفيين، عفوا بعض من تسلط على الصحافة ظلما وعدوانا، بل وتزلفا وتملقا وغاية في نفس (مول الفلوس) قضاها على جشعهم وتزلفهم وتملقهم ودناءة ذممهم المالية، وبالتالي على الجسم الصحفي بالمملكة أن يعلم عل اليقين أن الصحافة والاعلام أخلاق ومبادئ وتربية وأن (مول الشكارة ولا مول المزيودة)، عندما يستدعي الصحافة والاعلام من أجل ندوة ما أو محاضرة ما أو نشاط ما أو أي شيء ٱخر، فهذا لا يمنع من أن الصحفي يمكنه الاستفادة من التعويض مثلا وهذا حسب رأيي المتواضع لا حرج فيه، لكن أن يتحول الهاجس المادي والمالي هو المسيطر على كل تحركات وتنقلات وٱهات الصحفي فهذا هو المشكل الحقيقي في هذ البلد الذي لا يريد القطع مع مثل هذه الظواهر التي تضرب في العمق مهنة الصحافة وحرفة الإعلام، وتجعل من المهنة عرضة لكل من هب ودب، و(اللي ماعندو مايدار) للأسف الشديد.
إن تصرفا مثل هذا من شأنه أن يكون قاطرة نحو تكريس مزيد من التملق والتزلف والمدح غير المرغوب فيه والأطراء الزائد على اللزوم، و(لحيس الكابة)، لكل من يظن في قرارة نفسه أنه وحده (يضوي البلاد)، وهو في الحقيقة جرذ لا يقوى على رؤية القط فبالأحرى أن يقترب منه، وعلى المنتخبين والسياسيين والحقوقيين والعمال والولاة ورجال السلطة أن يقطعوا مع تلك (البزولة) التي يمتص منها بعض المقربين، ويتم قطعها عل بعض المبعدين، وأن يتم التعامل مع الصحفيين والصحفيات على قدم المساواة وبدون تمييز وبدون تحيز وبلا خلفيات، وليعلم الجميع أن رجال الصحافة والإعلام منهم الراسخون في العلم ومنهم العشوائيون ومنهم من ليس بينهم وبين الصحافة والاعلام إلا الخير والإحسان، ومنهم من سمع بهذا الميدان فقط، ومنهم من لا ليس له لا في العير ولا في النفير، وأن عليهم أن يقلبوا الحرفة والمهنة، يمشيو يديرو تاخضارت تانجارت تاصباغت، مع كامل الاحترام لأصحاب هذه المهن الشريفة.
نتمنى ألا يتحول الصحفيون والصحفيات إلى مرمى للمنتقدين والساخرين والمتنمرين، من أفراد هذا الشعب الذي لا زال يرى في الصحافة واجهة لا تقدم ولا تؤخر في شيئ، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فالإعلام الحقيقي والنزيه والصادق والمنبعث من رحم المجتمع كان ولا زال وسيبقى هو المعتمد عليه في الحال والمال والسر والعلن، وكل صحافة وأنتم…
صحافة الوش..

اترك تعليقا