الألباب المغربية/ محمد خلاف
المرياع هو كبش من الغنم، يعزل عن أمه يوم ولادته ويسقى حليبها دون أن يراها، ويوضع مع أنثى حمار غالباً ليرضع منها من رضّاعة صناعيّة تُوضع في خرجها حتّى يَعتقد أنّها أُمه.
وبعد أن يكبر يُخصى ولا يُجزّ صوفه (للهيبة) وتنمو قرونه فيبدو ضخماً ذا هيبة؛ وتُعلّق حول عنقه الأجراس الطنّانة والرنّانة.
فإذا سار المرياع سار القطيع وراءه معتقداً أنّه يسير خلف زعيمه البطل، لكن المرياع ذو الهيبة المغشوشة لا يسير إلاّ إذا سار الحمار ولا يتجاوزه أبداً.
ومن المعروف عن خوف الخراف من الكلاب، لكن علاقة وطيدة تنشأ، بين المرياع والكلب الذي يحفظ أمن القطيع، بحيث يصبحا حليفين، لا تنفصم لتعاونهما عُرى، في سبيل سير الجميع على خُطى الحمار، ومعاقبة كلّ من تسوّل له نفسه الخروج عن وحدة الصف، الأغنام خلْفَ قائدِها وقائدُها خلف الحمار. ففي زمن وجم فيه؛ وتوارى أصحاب الرأي والحزم؛ والعزم؛ وتناول الحديث والكلام كل سخيف؛ مغرور وجاهل؛ أرعن؛ اختطلت الأوراق؛ واندثرت الأخلاق والقيم؛ فلبس الذئب ثوب الحمل؛ وغدا القرد ليثا؛ وتفاخر البخلاء بالكرم؛ وادعى الجبناء الشجاعة؛ وحاضرت الخبيثات؛ الساقطات عن الشرف والعفة؛ وغابت الشريفات؛ الراقيات؛ ولقب الحمار بحكيم الزمان؛ فضاع الحق واندثر، ونعم الباطل بالظفر، إنه زمن السنوات الخدعات؛ كما أخبرنا الرسول الكريم؛ زمن الرويبضات والتافهين؛ فبعدما أرطم المثقف؛ الفصيح؛ والحر النبيل؛ وانزوى أهل العلم والهمم؛ نطق السفيه؛ وهو لا يعرف؛ ويعرف أنه لا يعرف؛ وهو إلى الجهل أقرب؛ باطنه كحية رقطاء،أو زهرة خشخاش، وبعدما تم تخوين الأمين؛ وتأمين الخائن؛ ضاعت الأمانة؛ وننتظر الساعة في زمن أسندت فيه أمور كثيرة لغيرها أهلها؛ في زمن تم فيه تقديس الخرافات؛ وتمجيد الحمقى التافهين؛ ورجم المثقفين؛ في زمن أصبحت الناس لا تفرق فيه بين الصادق والأمين؛ ولا بين العدو والصديق؛؛؛ فكم من شخص نكرة لا تاريخ له؛ ولا يحمل شهادة؛ وليس له تميز في أي ميدان؛ ولم يعرف له تخصص في أي مجال؛ ولم يعرف له إنجاز؛ أصبح ينظر؛ ويستشار؛ ويسير؛ ويقرر؛ في مستقبل البلاد والعباد؛ وهو طبلة جوفاء؛ إنه زمن الرويبضات الذين يبحثون فقط عما يلبي إحتياجاتهم؛ دون الإكثرات لغيرهم؛ ويتفننون في إيجاد مخرج لفسادهم وفساد حاشيتهم؛ نصبوا وجهاء؛ وحكماء؛ ووكل لهم التسيير؛ وهم فقط متشدقون؛ تصيرهم الشهوات؛ وتحكمهم الأهواء؛ فدرر البحر دوما تستقر بالقعر؛ بينما تطفو الجيف فوق الماء؛ والرويبضة بإصطلاح المنطقة هو (الضحيكة) الذي كان مصدر أهكومة؛ وطنز؛ ومضرب مثل في السفاهة؛ والسداجة؛ وأصبح في لمح بصر؛ يفتي في الدوار والعباد نتيجة مال؛ أو جاه سقط من السماء؛ وبعدما لمع ونفخ فيه؛ وتم إشهاره؛ بطريقة أو بأخرى؛ رحم الله المرحوم (كريكر العبدلي) الذي كان يعدهم على رؤوس الأصابع؛ ويخافونه؛ وقولته الشهيرة عن رويبضة معين (لي قاسوه الدعاوي كيولي قروي)؛ والمقصود بقروي عضو أو رئيس بجماعة أو بلدية؛ وليس الخوف من هؤلاء الرويبضة؛ فهم موجودون في كل زمان؛ لكن المشكلة إذا أعطت الجماهير أذنا صاغية لأمثالهم؛ وكلفوا بمناصب؛ ومكاسب؛ وكراسي؛ بعدما تمكنوا منا ردحا من الزمن في فترة الخداع الأكبر؛ فترة الخونة والمارقين؛ فترة فرحوا فيها بطاعتهم من سفهاء القوم؛ وخافوا من حلماءه؛ وهو ما صاغه الفيلسوف الكندي (الان دونو) في كتاب (الميديوقراطية أو سلطة التفاهة أو حكم الرويبضة) بعدما درس الإسلام كدين وثقافة ومعتقد؛ فما أضيق العيش لو فسحة الأمل مع حكم الله في زمن السفاهة والتفاهة؛ زمن المتغيرات والعجائب؛ وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يصدق فيها الكاذب؛ ويكذب فيها الصادق؛ ويؤتمن فيها الخائن؛ ويخون فيها الأمين؛ وينطق فيها الرويبضة) قيل وما الرويبضة يا رسول الله قال: الرجل التافه يتكلم في أمور العامة….