الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
البعض لجأ مبكرا إلى ما يشبه تسخين “البنادر” و”التعارج”، استعدادا للاستحقاقات التشريعية القادمة، والتي ستكون مخالفة تماما لسابقاتها، لأن المنتصر فيها والمتصدر لنتائجها، سيقود ما بات يوصف بحكومة “غراف الدنيا” أو”حكومة المونديال”، وبين “ثالوث حكومي” يتطلع قادته كل فيما يتعلق به، إلى الانفراد بالمقود الحكومي، و”معارضة” مصابة بالوهن والشتات،تروم بعثرة الأوراق السياسية ، وإعادة تشكيل الخريطة الحكومية، هناك “شعب” عليه أن يختار بين أن يكون “مطية”، لمن عينه على قيادة حكومة المونديال، أو يتحمل مسؤولياته المواطنة، في تغيير خريطة المشهد السياسي؛
حكومة “غراف الدنيا”، تقتضي وجوها جديدة وقيادات حقيقية، تحترم ذكاء المواطن، وتعبر عن قضاياه وانتظاراته، عبر إنتاج تشريعات منتصرة للصالح العام، تحظى بالتوافق والاجماع، وتحترم الخصوصيات الوطنية، وصياغة سياسات عمومية مسؤولة، داعمة للتنمية ومكرسة للعدالة المجالية، في سياق اجتماعي واقتصادي بات شاقا وعسيرا على شرائح اجتماعية واسعة؛
حكومة “غراف الدنيا” بات حالها كحال تلك الشقراء الفاتنة، التي يتربص بها الجميع، بحثا عن فرصة الانفراد والانقضاض، في سياق اجتماعي صعب وشاق، موسوم بارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة واتساع دائرة الفقر والبؤس، ومطبوع بتنامي الإحساس الفردي والجماعي باليأس والسخط وفقدان الثقة في الأداء الحكومي وفي الإنتاج التشريعي اللاشعبي، وهذا معناه، أن النخب السياسية التي شرعت مبكرا في تسخين “البنادر” و”التعارج” في عز برودة “الليالي” وما بعدها، وانخرطت في حصص إحماء مكثفة، استعدادا لخوض النزال الانتخابي المرتقب بعد حوالي سنة ونصف، لم يعد يشدها نبض الشعب، ولا يفرملها وجع المجتمع، ولا تعنيها أصوات الرفض والتنديد والاحتجاج، بقدر ما يهمها كيف تكمل حصص الإحماء، وكيف تحسن التموقع، وكيف تدحرج الكرة السياسية بين الأقدام، وكيف تراوغ وتناور لتسقط الخصوم والمنافسين؛
المواطن لم يعد ممكنا أن يرفع يافطة العزوف أو المقاطعة، أو يتموقع في المنطقة الرمادية، أو يكتفي بلعب دور الكومبارس، بمبـرر أن “ولاد عبدالواحد واحد”، أو أن “ليس في قنافد السياسة أملس”، ولا بد أن يدرك أن سلطة التغيير بين يديـه، إذا ما أحسن استغلالها واستثمارها في اختيار الأحسن والأجود، في بنية سياسية مرتبكة، يصعب أن نميز داخلها، بين الخيط الأبيض والخيط الأسود؛
من رفع مبكرا يافطة قيادة حكومة “غراف الدنيا”، إذا لم يكن قلبه ميالا إلى الشعب، ومعبرا عن قضاياه وانتظاراته، فعلى الأقل يجب عليه احترام “إرادة الشعب”، الذي لا أحد يمكنأن يسلب سلطته في الاختيار، ولا حقه المشــروع في منح صوته لمن يراه مناسبا للمرحلة أو يتوسم فيه خيرا خلال الولاية القادمة، ولو أن سلطة الاختيار، باتت عصية وصعبة المراس، في ظل بنية سياسية، باتت خاضعة لمنطق المصالح والولاءات والحسابات السياسوية الضيقة، أكثر من خضوعها لقواعد المسؤولية والكفاءة والنزاهة ونكــران الذات، ومع ذلك، فليس أمام المواطن من خيار، سوى تحمل مسؤوليته الانتخابية، والتعبير عن صوته بإرادة حرة، ومنح الثقة للأحسن والأجود والأنظف، وهذه المسؤولية لابد أن توازيها إرادة الدولة، التي لابد أن تضطلع بأدوارها كاملة في تحصين الخيار الديمقراطي الحداثي، عبر ضمان انتخابات حرة ونزيهة، ومحاصرة الفاسدين والعابثين ومنعدمي المسؤولية والضمير، والتفعيل الأمثل لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، ما يساهم في إنتاج مؤسسات تمثيلية قوية، تحظى بالثقة والمصداقيـة، تحترم ذكاء المواطنين وتعبر عن حاجياتهم وانتظاراتهم وتطلعاتهم، وقبل هذا وذاك، قادرة على مواكبة مشاريع “غراف الدنيا”، ومسايرة مسيرة البناء والنماء والإشعاع، التي يقودها عاهل البـــلاد، بصمت وثقة وتبصــر؛
فاتقوا الله معشر السياسيين، فمن فشل منكم في “غراف الوطن”، فعليه أن يتراجع إلى الخلف ما لم نقل الانسحاب من المشهد، وليس من حقه، التطلع إلى مقود “غراف الدنيا”، الذي يستحقه، من يناضل في السياسة، بنزاهة واستقامة وتضحية ونكران ذات، من لمتسجل في حقه أية إساءة للوطن، بفساده أو عبثه أو انتهازيته أو شجعه، أو انعدام مسؤوليته أو استقوائه أو شططه، أو عرقل عجلة الوطن، وحرمه من فرص النهوض والرقي والازدهـار والبهاء…