الألباب المغربية/ يونس المنصوري
في بلادٍ تُنافس “أمازون” في الاستيراد، حيث الحكومات تتفنن في جلب كل شيء من الخارج إلا الحلول، نعيش حياة المواطن المستهلك حتى النخاع. نحن شعب وُلدنا لنفتح صناديق الواردات، ننتظر الشاحنات والسفن كأنها رسائل القدر، نراقب الموانئ والمطارات، فربما يصلنا يومًا إصلاح مستورد بالغلط!
استوردنا الحليب، فبكى الفلاح، استوردنا الأبقار، فاستقال الراعي، استوردنا القمح، فاحترق الفلاح بنيران الأسعار، استوردنا المعلمين، فهجر الأساتذة أقسامهم، استوردنا الممرضات، فانتظر المريض ترجمته من العامية المصرية إلى الدارجة المغربية. كل هذا يحدث بينما الكفاءات المغربية تهاجر كما تهاجر الطيور… ولكن الفرق أن الطيور تعود، أما العقول المغربية فتذهب بلا عودة.
لدينا جامعات تكوّن الأطباء، ثم نتركهم للهجرة، ونستورد الممرضات، لدينا مدارس تخرج المهندسين، ثم نهملهم، ونستورد مخططات جاهزة من خبراء أجانب يتحدثون عنا وكأننا قبيلة مكتشَفة حديثًا، لدينا شباب يبدع في كل مجال، لكننا لا نثق إلا في القادم من وراء البحار.
حتى الحلوى في العيد لم تسلم، فصرنا نستورد “الشوكولاتة السويسرية”، ونسينا أن أمهاتنا كنّ يصنعن ألذ الحلويات بـ”الزنجلان” المحلي. حتى الزواج أصبح يعتمد على الاستيراد، فالعرسان يبحثون عن زوجات أجنبيات، والعرائس يحلمن بزوج “مقيم بالخارج”. حتى النقاشات صارت مستوردة، فالبرامج التلفزية تناقش مواضيع لا علاقة لها بنا، والمسلسلات تُشعرنا أننا نعيش في إسطنبول لا في الدار البيضاء.
باختصار، نحن شعب يعيش في انتظار الشحنة التالية… ربما في يوم ما، سنفتح صندوقًا عملاقًا مكتوبًا عليه: “تنمية مغربية… صنعت في المغرب!”