الألباب المغربية/ يونس المنصوري
الواسطة في كرة القدم المغربية ليست مجرد ظاهرة عابرة بل هي مشكلة هيكلية تؤثر على جميع مستويات اللعبة وتُلقي بظلالها السلبية على تطور الرياضة الوطنية. عندما تصبح العلاقات الشخصية والمحسوبية هي العامل الحاسم في اختيار اللاعبين والمدربين وحتى الإداريين، فإن النتيجة تكون نظاماً رياضياً هشاً وغير قادر على مواجهة تحديات العصر.
تؤدي الواسطة إلى تهميش المواهب الحقيقية التي تُعد العمود الفقري لأي مشروع رياضي ناجح. اللاعبون الذين يملكون المهارات والجدية غالباً ما يُستبعدون لأنهم لا يملكون الوساطة أو العلاقات اللازمة للوصول إلى مستويات أعلى. هذا التهميش لا يقتصر على اللاعبين فقط بل يمتد إلى المدربين الذين يجدون أنفسهم خارج المشهد بسبب تفضيل أشخاص أقل كفاءة لكنهم مدعومون بشبكة من العلاقات.
أثر هذه الظاهرة على الأندية والمنتخبات الوطنية واضح وجلي، حيث تعاني الفرق من ضعف في الأداء نتيجة وجود لاعبين لا يمتلكون المهارات الكافية لمنافسة خصومهم. هذا الضعف يُترجم إلى نتائج متواضعة في البطولات المحلية والقارية، مما يعكس صورة سلبية عن كرة القدم المغربية ويُضعف سمعتها على المستوى الدولي.
الواسطة لا تُضعف فقط التنافسية داخل الملعب، بل تؤثر أيضاً على الروح المعنوية لدى اللاعبين والمدربين الذين يشعرون بأن الجهد والعمل الجاد لا يكفيان للوصول إلى القمة. هذا الشعور بالظلم يدفع العديد من المواهب إلى الهجرة خارج البلاد أو حتى اعتزال اللعبة مبكراً، مما يُفقد الكرة المغربية طاقات واعدة كان يمكن أن تصنع الفارق لو أُعطيت الفرصة.
علاوة على ذلك، تسهم الواسطة في إفساد العلاقة بين الجماهير والمؤسسات الرياضية، حيث يُصبح الجمهور غير قادر على الثقة في نزاهة القرارات التي تُتخذ داخل الأندية والمنتخبات. الجمهور الذي يرى لاعبين ومدربين غير مؤهلين يحصلون على فرص لا يستحقونها يُصاب بالإحباط، مما يؤدي إلى تراجع الحماس والإقبال على متابعة اللعبة محلياً.
على مستوى الإدارة، تُعيق الواسطة تطوير منظومة رياضية متكاملة، حيث يتم تعيين إداريين ومسؤولين بناءً على الولاءات والعلاقات بدلاً من الكفاءة والخبرة. هذا يؤدي إلى سوء التخطيط وضعف الاستراتيجيات التي تُفترض أن ترفع من مستوى الكرة المغربية وتجعلها قادرة على المنافسة في الساحة الدولية.
للقضاء على هذه الظاهرة، يجب اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة تبدأ من تعزيز الشفافية في جميع مراحل اللعبة، من اختيار اللاعبين إلى تعيين المدربين والإداريين. يجب أن تُعطى الأولوية للكفاءة والجدارة، وأن يتم إنشاء لجان مستقلة لمراقبة هذه العمليات وضمان نزاهتها.
كما يجب إطلاق مبادرات تُشجع على اكتشاف المواهب في جميع أنحاء المغرب، وخاصة في المناطق النائية التي تُعاني من نقص الفرص. الإعلام والجماهير أيضاً لهما دور مهم في الضغط على المؤسسات الرياضية لكشف ومكافحة هذه الممارسات.
في النهاية، الواسطة ليست مجرد عقبة أمام كرة القدم المغربية، بل هي تهديد حقيقي لمستقبل اللعبة في البلاد. إذا لم يتم التصدي لها بحزم، ستستمر في إضعاف الكرة المغربية وحرمانها من المكانة التي تستحقها على المستويين القاري والعالمي.