الألباب المغربية/ حليمة صومعي
على التوالي لستة سنوات يضرب الجفاف المغرب بقوة، إنها من بين أخطر ما عرفه المغرب من أزمات في تاريخ للأسف قلة من يدرك خطورتها.
يرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها ما هو طبيعي على رأسها التغيرات المناخية، وتراجع الغطاء النباتي وزيادة الطلب على المياه. وفقًا لتقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي، من المتوقع أن تستمر موجات الجفاف في المغرب في المستقبل، لذا يوصي التقرير باتخاذ إجراءات فورية لتحسين إدارة الموارد المائية في البلاد قبل أن يغل الفأس في الرأس، وما هو بشري يتعلق بالسياسات المائية العمومية، علما أن ملك البلاد منذ سنوات لطالما يحذر من مغبة الوصول لهذه الأزمة في خطبه السامية..
أثر الجفاف بشكل كبير على القطاع الزراعي، وهو القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي، مما أدت موجة الجفاف إلى انخفاض إنتاج المحاصيل بنسبة 40٪، وإلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما تُعدّ مشكلة نقص المياه من أهمّ القضايا التي تُركّز عليها منظّمات حقوق الإنسان؛ لذلك وضعت هذه المنظّمات هدف إيصال المياه الصالحة للشرب على رأس أولوياتها في تحقيق التنمية العالميّة.
كما أثر الجفاف على إمدادات المياه الصالحة للشرب.
اضطرت العديد من المدن إلى فرض قيود على استخدام المياه، بما في ذلك حظر غسل السيارات واستخدام النوافير.
أمام هذه الأزمة التي تتفاقم مع السنين، تحاول الدولة في إطار حربها الاستباقية معها لوضع مجموعة من الحلول والمقترحات، منها ما هو ٱني ومنها ما هو استراتيجي، نذكر من بينها التعليم والتوعية، لتصحيح سلوكيات وعاداتنا في التعامل مع الماء التي من شأنها التقليل من استنزاف مصادر المياه العذبة. في هذا السياق يقترح أحد أساتذة المعهد العالي والبيطرة الأستاذ محمد الطاهر السرايري، إقرار مادة التربية المائية في المدرسة المغربية. كما سيتم التركيز على التوعية الإعلامية بمختلف أنواعه المرئي والمسموع والمكتوب في التحسيس بخطورة الأزمة وكيفية التعامل معها لتجنب ما هو أسوأ. وكذا ابتكار تقنيات جديدة للحفاظ على مصادر المياه وتطويرها، وخاصة في المناطق التي تنضب فيها خزانات المياه الجوفية، أو تُعاني من شحّ مياه الأمطار. إعادة تدوير المياه وتحليتها ومعالجتها من أجل استخدامها في الزراعة والصناعة وباقي القطاعات الأخرى. كما يجب تحديث تقنيات الري لجعلها أكثر فعالية واقتصاد للمياه، وتشجيع المزارعين على تبني ممارسات زراعية مستدامة لتحسين كفاءة استهلاك المياه في الزراعة. بالإضافة إلى ذلك، تزداد الحاجة إلى برامج للتوعية حول أهمية المحافظة على المياه، حيث يمكن أن تلعب المجتمعات والأفراد دورًا هاما في تقليل استهلاك المياه وتبني عادات استعمال سليمة واقتصادية. والعمل على تجنّب الإسراف في استخدام المياه المخصّصة للريّ والاستخدامات الزراعية، حيث إنّ 70% من المياه العذبة في العالم تُستخدم في مجال الزراعة، فالاقتصاد باستخدام المياه المخصّصة للزراعة كفيل بخفض نسب نقص المياه في العالم.
ومن القرارات الانية، تطوير محطّات تنقية موفّرة للطاقة، فعلى سبيل المثال يُمكن استخدام الطاقة الشمسية لتزويد محطات تنقية المياه بالطاقة اللازمة، وتطوير أنظمة تجميع مياه الأمطار، وهو أسلوب يجب اتّباعه خاصة في المناطق التي تُعاني من شحّ في مياه الأمطار نتيجة تغيّرات، تطبيق إدارة شاملة، بناءً على نهج علميّ وعمليّ للإشراف على جميع الموارد المائية الطبيعية للمياه العذبة وتعزيزها، مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والثقافية والبيئية في المجتمع، فمن الأمثلة على الإدارة الشاملة لموارد المياه تشغيل محطات معالجة لمياه الصرف الصحيّ تستمدّ طاقتها من مصادر طاقة متجددة، مع إقامة شراكات مع شركات طاقة تنتج الوقود الحيويّ باستخدام الطحالب المائية، واستخدام جزء من مياه الصرف الصحيّ في ريّ المحاصيل ممّا يُساهم بتقليل كلفة الضخ والمعالجة، وتحسين البنية التحتية لأنظمة توزيع المياه، ممّا يضمن العدالة بالتوزيع والتقليل من هدر المياه وحماية صحّة الناس، فالبنية التحتية الضعيفة تُفاقم مشاكل نقص المياه وتزيد من فرص انتشار الأمراض المنقولة بالمياه.
في هذا الإطار فإن المملكة المغربية تخطط لإنشاء سبع محطات جديدة لتحلية مياه البحر بنهاية عام 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا. فيما تتوافر حاليا 12 محطة لتحلية مياه البحر بطاقة إجمالية تبلغ 179.3 مليون متر مكعب سنويا، وفق معطيات رسمية، ومحاولة تقليل استخدام المياه في الصناعة، حيث يُمثّل الاستهلاك الصناعي ما نسبته 22% من الاستهلاك الكلّي للمياه، ويكون ذلك من خلال تفعيل التصنيع المستدام الذي يُقلّل استهلاك المياه في الصناعة، و معالجة تلوّث المياه، فتلوّث المياه هو أحد أهمّ أسباب نقص المياه في العالم، ولهذا فلا بدّ من قياس مستمرّ لجودة المياه ومراقبتها لضمان صحة الإنسان والتنوّع. كما أنه لا بد من العمل على التخفيف من آثار التغيرات المناخية، فنقص المياه هو أحد أبرز وأخطر أعراض التغيرات المناخية على كوكب الأرض، ولذلك لا بدّ من اتباع سياسات وتدابير تهدف للتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تؤدّي للتغيرات المناخية التي يواجهها العالم، ومن أهم الخيارات المتبّعة هي استخدام مصادر الطاقة المتجددة المختلفة. التحكّم في النموّ السكاني، فالعالم يشهد تسارعاً في نموّه السكاني ممّا خلق فجوة بين العرض والطلب على كميّات المياه المتاحة على سطح الأرض.
وإن كانت هذه الأزمة ندرة المياه لا تهم المغرب وحده، بينما هي تهم عدد كبير من دول العالم، لا بد أن تتولى الأمم المتحدة سن سياسات وقوانين دولية ووطنية، تُساهم في حماية المياه العذبة من التلوث نتيجة تصريف النفايات أو المياه العادمة فيها، ممّا يضمن سلامة الأمن الغذائي والمائي.