الألباب المغربية/ ذ. محمد خلاف
قاسية هي الحياة؛ عندما يتغير الزمان في غفلة منا؛فنعيش أسرى ذكريات عشناها؛ وعشقناها تتبعنا أينما سرنا؛ ونسير خلفها حيثما سارت؛ تغير المكان إذ لم يعد هو المكان مرتع الطفولة والأحلام والحكايات. نحن في مدرسة الحياة عشنا العديد من التجارب والتفاصيل والمواقف المتشابهة جعلت الحكمة تبدأ في التشكل لدينا؛تقسو الحياة علينا عندما لانسطيع الإنفصام عن ماضينا ولانعي حاضرنا ولا نفكر بمستقبلنا فنفقد الوعي.
أتذكر ماضي مدينتي الجميل بوجهها الأخضر؛ ورائحة تربتها؛ وألفة الناس لعجيجها؛ بساطة أهلها وسعادة أنفسهم؛ بعدما كان المال وسيلة مكملة للسعادة وليس أساسها؛ كان انتصار الروح على المادة حتميا في معركة البساطة لدى أناس لاربعا؛ الآن فقد تغير الزمان والملامح والأمكنة؛ حطمت أسوار الأمل وأصبح اليأس سائدا.
“لاربعا” لم تعد كما كانت أمست مدينة بمواصفات قرية متهالكة حزينة تحتضر ؛ بروابط اجتماعية أقل متانة وأضعف صلة واقفة على خط التيه؛ والحزن تبكي قيما جميلة غابت؛ بعدما كان شاب يطوف المدينة حاملا كتابا؛ أصبح بها شباب يطوفون بسكاكين وأسلحة متنوعة؛ تتوق لأطلال زمن جميل؛ وشخصياتها البوهيمية؛ وتعترض حضارة مزيفة.
مدينتي رمز كرامة الرجال؛ كان ذكرك فخر أبناء بني عمير في مجالس الغربة؛ أشجار خلابة وحزام أخضر قطع نكاية؛ سواقي نضب ماؤها؛ جبين فلاح عميري يتصبب عرقا وجدا؛ أغرته مظاهر الهجرة؛ وبرقع المدنية المتوحشة.
أماكن جميلة تحولت الى بنيان وإسمنت؛ لوفيس أغرى مافيا العقار؛ بدأت ملامحه في التغيير؛ أصبحت حدودك أسواق تجارية ممتازة؛ ومشاريع عملاقة هناك من يجهل وجودها؛ تسيرها ماكيافيلي يفصل السياسة عن المثل والأخلاق والقانون؛ بعدما وضع مسيروك كتاب الأمير جانب سرير النوم، أو تكلف بالقراءة متزلف مرتزق.
مدينتي كانت شمعة براقة زمن البدايات؛ الآن تعيش ظلاما دامسا بشكل قسري؛ مصيرها بيد أشخاص بأهداف؛ تنتظر جمالا بأعين أبناءها؛ وحقا بيد من سيخدمها بجد ومسؤولية. تنتظر عظيما يحب للمدينة مايحب لنفسه؛فهى أحرى بالحب والعدل؛ ورد الإعتبار.بعدما أصبحنا لا نعرف أين يختبئ السيؤون؛ وأصبح الجميع يتحدث بمثالية بمدينتي.
بمدينتي أناس أجدر بالحب رائعون قلوبهم نقية؛ همساتهم قطع من السعادة؛ وهي أجدر بالاهتمام؛ فهي استثناء خاص لاتعوضه مدينة؛ نشتاق إليها نحبها؛ نسأل عليها؛ تسلب منا الأحزان وتنثر الابتسامة في طريقنا.
مدينتي لا تحتاج لأناس نهشوا خيراتها في الخفاء وابتسموا للأهالي في العلن؛ لاتحتاج لأناس طمسوا الاشياء الجميلة بها؛ واستماتوا بحقارة في إذلالها وجعلها مصدر سخرية.
وهي موطن شخصيات يقام لها ولا يقعد وطنيا وعالميا في شتى المجالات.
مدينتي تبكي الشاعر عبد الله راجع؛ ونادي العين الذكية للسينما ومجموعة جودة والإتحاد الرياضي؛ وتتذكر الزجال محمد حدو والمخرجة أكلاز والقاص عبد الواحد كفيح والناقد العرفاوي والشاعر عبد الله بناجي وغيرهم كثير؛ حين ذكر الثقافة بالمدينة؛ والإستماع لتصريحات المسؤولين عن الثقافة؛ ومستواهم الدراسي والمعرفي والأخلاقي.
“فلاربعا” تنتظر من مثقفيها أن يحفظوا ذاكرتها وهويتها المستلبة؛ انتقاما من الخراب والألم الذي لحقها وذلك بالأدب والتخييل. تنتظر خروجا من معطف أكاكي غوغول.
مدينتي تحتاج إلى منازل بألوان وتصاميم واضحة؛ إلى مساحات خضراء؛ الى معامل ومصانع؛ الى مشاريع معقولة صفقاتها شفافة؛ الى معاملات مقبولة بإداراتها؛ إلى جمعيات حقيقية غيورة وصادقة؛ إلى صحافة نزيهة؛ إلى كاريزما قيادة حقيقية؛للتغيير؛ إلى هوية ومصير ونيات صادقة.
مدينتي لا تحتاج مهرجانا للفرس بميزانية ملغومة ومبهمة؛ هو ورقة انتخابية رابحة؛ أقيمت له ساحة كبيرة تعج بالفراغ والفوضى؛ لاتحتاج لكمامات لانعرف ثمنها ونعرف طريقة توزيعها؛ لا لقفات نعرف أيضا طريقة توزيعها؛ بالمقابل تحتاج الى قرية صناعية حقيقية وشفافية في توزيع البقع؛ إلى جامعة ومعاهد؛ إلى مواصلات حديثة؛ إلى خدمات عامة في المستوى؛ تحتاج إلى مراجعة الأوراق بعد جائحة كورونا على جميع الأصعدة تحتاج إلى نيات حسنة للأصلاح؛ لأن بها ما يستحق الحياة. وأحسن ما أختم به مقالي
قال تعالى في كتابه العزيز (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا؛ فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء؛ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات؛ إن الله عليم بما يصنعون) صدق الله العظيم.