الألباب المغربية/ يونس المنصوري
في عالم تسوده التناقضات الحادة، تقف الطبقة الفقيرة في الظل، تتحمل أعباء الحياة بأشكالها كافة، دون أن يُلتفت إلى معاناتها الحقيقية. في كل أزمة تمر بها البشرية، الفقراء هم أول من يدفع الثمن، وأول من يواجه العواقب. هذه ليست مجرد حقيقة اجتماعية، بل واقع مرير يتكرر على مدار التاريخ..
لا يمكن لأي إنسان عاقل أو منصف أن ينكر أن الفقراء هم الذين يموتون في الحروب، وهم الذين يعانون من نقص الموارد والفرص. إنهم يدفعون حياتهم ثمناً لأخطاء لم يرتكبوها، ولسياسات لم تُصمم لخدمتهم، بل لتمكين الأقوياء وتوسيع نفوذهم.
أنا شخصياً، منحاز بلا تردد لهذه الطبقة، ليس من باب الشعارات أو المواقف الآنية، بل من باب القناعة الراسخة. الفقراء ليسوا مجرد أرقام في سجلات الإحصاء أو رموزاً تُستخدم في حملات الترويج الانتخابي. إنهم بشر، لديهم أحلام وطموحات، تماماً كأي شخص آخر. ولكن في ظل أنظمة غير عادلة، يصبح الطريق لتحقيق تلك الأحلام أكثر وعورة، وأكثر ألماً.
انحيازي للفقراء لا يعني معاداة الآخرين، بل هو انحياز للإنسانية والعدل. الفقراء ليسوا عبئاً على المجتمعات كما يصورهم البعض، بل هم عمادها الأساسي. هم العمال الذين يشيدون المدن، والفلاحون الذين يزرعون الحقول، والمعلمون الذين يُخرجون أجيالاً جديدة. لكن رغم كل هذا العطاء، يظل نصيبهم من الحياة هو الأقل.
في السجون، تجد معظم المعتقلين من الفقراء، وفي المستشفيات المكتظة تجدهم يعانون من أمراض ناتجة عن سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية. وفي الحروب، تجدهم وقود المعارك، يُقتلون ويُشردون، بينما ينجو الأقوياء وأصحاب النفوذ.
القضية هنا لا تحتمل التأويل أو الاجتهاد. المشكلة واضحة: الفقر ليس مجرد نقص في المال، بل هو حرمان من الحياة الكريمة، ومن فرص التعليم، ومن الوصول إلى الخدمات الأساسية. الفقر نتيجة لسياسات اقتصادية تُكرس الظلم بدلًا من العدالة، وتُغذي الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
إن التغيير الحقيقي يبدأ بالاعتراف بهذه الحقيقة والعمل على تصحيحها. على المجتمعات أن تتوقف عن تهميش الفقراء وعن النظر إليهم كأدوات تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. يجب أن يُمنحوا فرصًا حقيقية للتعليم، للعمل، وللحياة بكرامة.
العدالة ليست مجرد كلمة تُقال في المناسبات، بل هي عمل مستمر لإعادة التوازن في المجتمعات. وإن لم يكن هناك انحياز للفقراء اليوم، فإن العالم بأسره سيبقى رهينة للفجوة المتزايدة بين الطبقات. الفقراء لا يحتاجون إلى الشفقة، بل إلى حقوقهم، إلى عدالة تجعل حياتهم أقل قسوة، ومستقبلهم أقل غموضاً.